يلفت المتابعون النظر إلى الموقف الحذر لسلطة الأسد مما يجري من ضربات قاسية وعنيفة على حزب الله وقيادييه، في الأراضي السورية واللبنانية على حد سواء، حيث تتجه الأنظار إلى سلطة الأسد في دمشق، وإمكانية أن يطالها التغيير الذي لا يزال في بداياته.
ومن الملاحظ التزام السلطة الصمت تجاه الضربات الإسرائيلية، وسط حالة تشبه النأي بالنفس عن حزب الله، فيما ترددت أنباء عن محاولة قوات الأمن تحييد أنشطته في مناطق سيطرة الأسد خوفا من العواقب.
ومع دخول القوات الإسرائيلية إلى الجنوب السوري لمسافة محدودة، دون أية مقاومة، تبرز التحليلات حول إمكانية فتح القوات الإسرائيلية لجبهة جديدة في الجنوب السوري، وأسئلة حول ما إذا كان ذلك سيهدّد كرسي الأسد.
الكاتب الصحفي السوري، أيمن الشوفي، يرى في إفادته لموقع حلب اليوم، أن التغيرات قد تطيح بالأسد لكنه يُرجح أن يحافظ على موقعه مع تغيير في الصلاحيات.
من جانبه اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي، حسام نجار، أن السيناريو المرشح يبقى الحل وفق القرارات الدولية، أي بقاء الأسد وإن كان بصلاحيات أقل.
واعتبر الشوفي أن هدف إسرائيل الأقصى هو إخراج الميليشيات الإيرانية إلى شرق الفرات وبالتالي تشكيل مساحة آمنة لها، وفي الجنوب رجح أن تكون هناك منطقة آمنة بعمق 50 كيلومترا، فرغم أن هذا الحديث قديم وليس جديدا لكنه “وارد اليوم”.
وربما يحدث أيضا اجتياح بري إسرائيلي الى القنيطرة ثم درعا والسويداء، بهدف وصل هذه المنطقة بقاعدة التنف بحيث يكون هناك شريط جغرافي أمن بالنسبة لإسرائيل بعمق 50 – 55 كيلومترا، وفقا للشوي.
أما بالنسبة لبشار الأسد فيعتقد الصحفي السوري، أنه “استطاع قراءة ما بين السطور ومعرفة النوايا الإسرائيلية بتغيير ديمغرافية المنطقة أو لنقل الخريطة السياسية للمنطقة بحيث تتضمن مناطق آمنة محيطة بحدودها سواء من جهة لبنان أو سوريا”.
وبالإضافة لعملياتها الواسعة التي طالت قيادات من الصف الأول بالحرس الثوري وحركة حماس وحزب الله ومحاولة استهداف ماهر الأسد؛ فإن “كل هذه المعطيات استطاع بشار الأسد قراءتها وبناء موقف له من بعد اجتياح غزة حيث يحاول أن يحيد نفسه قدر المستطاع لكن مسألة بقاءه أو عدمها مرتبطة بالقرار الإسرائيلي – الأمريكي.. هل أنهى مهامه؟ هل أنهى الدور الوظيفي له في تدمير سوريا وتفتيتا باستقدام احتلالات خارجية؟”.
إذا أنهى دوره – يضيف الشوفي – وكان هناك بديل عنه يرضي أمريكا وإسرائيل فربما من الممكن إزاحته، أما إذا كان من الممكن أن يقدم أدوارا وظيفية قادمة فربما يبقى حتى إذا أخرجت إسرائيل إيران من سوريا أو إلى شرق الفرات، وهذا الشيء يتماشى مع المبادرة العربية.
بدوره اعتبر نجار أن “التطورات الحاصلة في المنطقة والتي تعتمد في أساسها على تغيير وجه المنطقة وإعداده وتهيئته للقادم الذي يجعل إسرائيل هي الدولة القوية التي يخشاها الجميع بلا استثناء، فيما تبقى القضية السورية هي العقبة الكأداء التي تحتاج لحل جذري شامل قد يكون وفق القرار 2254 أو من الممكن إصدار قرارات أخرى أممية”.
ويرى أن أمر الحل ليس بيد دول اجتماع أستانا رغم الموافقة الأمريكية السابقة التي نأت بجانبها عن حضور الاجتماعات، ونتيجة الضربات التي تلقتها إيران على كل الصعد فهي في أضعف المواقف كذلك تركيا و إيران ولن يتم تمرير أي حل في سوريا خارج الإرادة الأمريكية – الإسرائيلية.
هل تقدم صيغة أستانا حلا؟
قال نجار إن مقررات الاجتماعات في كافة المسارات السابقة كانت على حساب الشعب السوري، و”لا ننسى أن علاقات هذه الدول ليست في سوريا فقط بل تتعداها لمصالح أخرى”.
وأهم تلك المصالح الممر ( الكريدور ) بين تركيا وأذربيجان الذي يمر محاذياً للحدود الإيرانية وتسعى له تركيا بقوة بالتعاون مع الروس، كذلك دخول الروس على خط الوساطة في خروج القوات الإيرانية من سورية بأقل الأضرار وبالسلاح الخفيف.
ويرى الشوفي أن مفاعيل أستانا مرتبطة بموضوع بقاء الأسد أو عدمه، “فالقرار الإسرائيلي – الأمريكي هو الذي يحدد بقاء بشار الأسد أو إزاحته، لكن إذا بقي لن يكون ممسكا بكل مفاصل السلطة بسوريا، وربما تكون هناك محاصصة للسلطة ما بينه وبين المعارضة، وربما تكون هناك انتخابات مبكرة أو ربما دستور جديد”.
لكن نجار يرى أن “طوفان الأقصى منح إسرائيل الفرصة الذهبية التي لا تعوض لبسط قوتها وسطوتها فهي تقول للجميع بشكل غير مباشر ( هل من ند لي ) وتحدث مسؤوليها بشكل متكرر عن ترتيب جديد للمنطقة وهو نفس الحديث الذي تحدثت به وزيرة الخارجية الأمريكية ( كوندليزا رايس ) عن شرق أوسط جديد”.
وينبئ هذا بأن الخطط والأسس موضوعة من فترة طويلة لكنها تحتاج لمبرر وسبب وقد كان في طوفان الأقصى، آخذين بعين الاعتبار سلطة الأسد كحجر أساس في هذا الترتيب ، فلا الكيماوي ولا التدمير ولا القتل جعله يبتعد عن كرسيه رغم كل الدلائل والوثائق والقرارات الأممية، والحديث الأمريكي عن تغيير السلوك وليس تغيير الرأس الذي لم يتم التطرق للقضاء عليه، وفقا لنجار.
ويضيف أن “الاعتماد على أستانا أصبح في طور المنتهي لذلك سيجبر الجميع للعودة للقرار 2254 والذي يقول – تشكيل حكومة وطنية مشتركة ذات مصداقية – وحسب الشروط التي وردت به هذا يتيح للأسد البقاء والترشح ودخول الانتخابات وهذه الاشتباكات والحروب لن تكون إلا مغيرة للسلوك وتصب في مصلحة بقاءه”.
بدوره يلفت الشوفي إلى أن الوجود الإيراني بسوريا هو “وجود مرحلي وقصير الأمد ومرتبط بالعملية العسكرية الواسعة التي قامت من غزة إلى لبنان وغالبا فستكمل مشروعها باتجاه الميليشيات الموجودة بسوريا.. وربما يبقى وجود إيران أيضا مع التصفيات لقياداتها وقيادات الحرس الثوري الإيراني”.
تريد طهران – بحسب الصحفي السوري – فقط حماية ما تبقى من ماء وجهها ومن مرجعيات تقع على رأس الهرم، ووجودها في سوريا مؤقت يخضع إلى قدرة إسرائيل على حسم المشهد العسكري بريا وليس جويا، وقد استطاعت خلال هذا الشهر فعلا إنهاء حزب الله وربما تكون مهمة إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا “أقل صعوبة”.
ما هو شكل الحل؟
يتحدث البعض عن تعيين نائب لبشار الأسد من الممكن أن يكون شخصية معارضة، فيما يقول البعض الآخر إن إسرائيل أبلغته عبر قنوات معينة أن عليه إخراج ميليشيات إيران وإلا فإنها ستطيح به على كل حال.
وربما يكون الحل السياسي، وفقا للشوفي، بتقليل المركزية وإعطاء مرونة لإدارة المناطق والأقاليم ولكن ربما لا يختلف المشهد كثيرا فمع بقاء حزب الله شرق الفرات سيبقى أيضا الأمريكيون هناك لحماية آبار النفط.
يعتقد الأخير أن الحل سيكون باتجاه اللامركزية في حال بقي بشار الأسد مع محاصصة بين سلطة الأسد والمعارضة، أما إذا كان هناك قرار بإزالته من المشهد فربما يكون المشهد مختلفا قليلا، “فقد نذهب إلى مؤتمر تأسيسي ودستور جديد حقيقي وانتخابات حرة ديمقراطية بإشراف أممي”، لكنه يرى الخيار الأول هو الأقوى.