تتراجع فرص العمل ومستويات الدخل في الشمال السوري بشكل مستمر، مما يدفع مزيدا من النساء لخوض مجالات عمل مختلفة، في محاولة لمساعدة أسرهن وأزواجهن، حيث يجد الكثير منهنّ أنفسهن وحيداتٍ أمام مسؤوليات جمة.
وبعد فقدان الكثير من الأزواج والآباء، مع الحرب القاسية والقصف الكبير وموجات النزوح الضخمة نحو الشمال السوري أصبحت الظروف قاسية حتى على الرجال، فيما يغيب الاهتمام بأوضاع النساء عن المجتمع والجهات المسؤولة عن إدارة الشمال المحرر.
تعمل “أمّ محمود” يوميا في “كشك” صغير استأجرته وسط مدينة إدلب، حيث تبيع الأحذية “الأوروبية” المستعملة، لعلّها تكسب قوت يومها وتعيل أولادها.
تقول المرأة الأربعينية في حديثها لـ”حلب اليوم“، إن وفاة زوجها تحت التعذيب في أحد المعتقلات لدى سلطة اﻷسد، واضطرارها للنزوح نحو الشمال السوري، تركها شبه وحيدة مع أولادها الثلاثة، حيث إن أقاربها منهم من توجه لريف حلب، ومنهم من غادر إلى تركيا، فضلا عمن بقي بقريتهم في ريف حمص رافضا التهجير.
تكسب “أمّ محمود” كسبا لا بأس به، حيث يوجد إقبال على ذلك النوع من البضائع، خصوصا الأحذية “الولادية” بسبب غلاء أسعار الجديد منها وانخفاض جودتها، لكنها تقول إن الوضع بالنسبة لها صعب ومتعب.
ويوجد في الشمال السوري مخيمات أنشئت خصيصاً للأرامل منذ منتصف عام 2012، قرب الحدود التركية، وتؤوي تلك المخيمات النساء فاقدات المعيل، ويتم تأمين وجبات يومية لهن في 24 تجمعاً.
وبحسب بيانات “حكومة الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب وريف حلب الغربي فقد بلغ عدد العائلات في هذه المخيمات ما يقرب من 2500 عائلة، من أصل أكثر من مئتي ألف عائلة تعيش في أكثر من 1127 مخيماً في مناطق إدلب.
لكن كثيرا من النساء يرفضن الإقامة في تلك التجمعات، بسبب القيود التي تفرضها، والحياة “غير الطبيعية” التي يشعرن بها، فضلا عن كون المخصصات ليس بذلك المستوى المطلوب.
وتؤكد على هذا الفتاة العشرينية “سوسن .م” حيث تقول إنها ترفض حياة المخيمات وتُفضل العمل في محل لبيع اﻷلبسة النسائية لكسب قوت يومها بعرق جبينها من أجل إعالة بنتيها الصغيرتين.
لكنّها تواجه ظروفاً صعبةً في بيت “على العضم” استأجرته على أطراف المدينة، تعاني فيه مع أطفالها من قسوة البرد وحرّ الصيف، وتشعر بشكل دائم بالخطر على نفسها وأطفالها.
ترى الباحثة الاجتماعية “وضحة العثمان” في إفادتها لـ”حلب اليوم” أن تجربة مخيمات اﻷرامل في الشمال السوري سلبيةً جداً، معتبرةً أنه كان من الواجب ترك هؤلاء النساء في حياة طبيعية وعدم فصلهن عن محيطهنّ الاجتماعي، وهو ما يحملهن ضغوطاً وأعباءً نفسية، باﻹضافة إلى أن تلك المخيمات تضمّ نساءً من خلفيات وبيئات متعددة وغير متجانسة.
كما أشارت إلى مشكلة عيش اﻷطفال الصغار ضمن تجمع معزول وهو ما قد يولّد عقداً نفسية واجتماعية لديهم، فضلاً عن مشكلة الاضطرار لانفصال اﻷطفال عن أمهاتهن عندما يكبرون.
ويرتبط هذا الواقع بغياب الفرص الاقتصادية سواءً للرجال أو النساء، حيث أن هناك نسبة كبيرة من العائلات التي تُعال من قبل النساء، وفقا للعثمان.
ومنذ إصابته في قدمه أصبح “أبو محمود” غير قادرٍ على العمل بشكل كافٍ يعيل معه أفراد أسرته، فيما ترتفع اﻷسعار بشكل مستمر.
هذا الواقع دفعه للقبول بعمل زوجته في الخياطة ضمن منزلها، حيث تبيع اﻷقمشة وتخيط اﻷثواب للنساء، مما يمكنها من دعم زوجها في معركة الحياة الصعبة في الشمال السوري المحرر.
تختار فاطمة أقمشةً نسائيةً مميزة، وتُساعدها شبكة معارفها من النساء على ترويج بضاعتها، حيث ينحصر نشاطها ضمن نازحي قريتها الذين لجأوا من ريف إدلب الشرقي إلى بلدة صغيرة غربي حلب.
ومع إعلانها عن البضائع عبر الفيسبوك، وتقديمها عروضا مستمرة، تحقق فاطمة دخلا جيدا، حيث تقدم أسعارا أرخص مما تطلبه المحال التجارية في السوق، والتي يُضطر أصحابها لرفع أسعارهم بسبب الإيجارات المرتفعة، وهو ما تستفيد منه بشكل إيجابي.
وتوجد نساء اضطررن للعمل في مهن غير مناسبة على الرغم من وجود الزوج والمعيل، وذلك بسبب ضعف الدخل اليومي والرواتب وغلاء المعيشة.
وتُشير معطيات “منسقوا استجابة سوريا” في الشمال السوري إلى ارتفاع مستمر في حدّ الفقر، ونزول عدد جديد من العائلات شهرياً إلى قاع العوز، مع تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الحلول.
ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والنزوح، يجد معظم السوريين أنفسهم في ظروف معيشية تتراجع باستمرار نحو الأسوأ، مع انتشار البطالة وقلة فرص العمل وضعف الدخل.
وتجاوز حد الفقر للعائلة الواحدة نحو 7300 ليرة تركية، فيما تبلغ نسبة العائلات التي تقع تحت هذا الحد في الشمال السوري نحو 91%، وفقا لآخر تقديرات فريق منسقو استجابة سوريا.
وتؤكد إحصاءات الفريق أن دخل نحو 83 % من السكان لايتجاوز 50 دولاراً أمريكياً في الشهر، بل إن أكثر من 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة في الشتاء.