تواصل الحكومة اليمينية الجديدة في هولندا تشديد إجراءاتها ضد اللاجئين، وطالبي اللجوء، كما كان متوقعا منذ فوزها بالانتخابات الأخيرة، وسط حالة من القلق في أوساط المهاجرين وخصوصا السوريين.
وقالت وزيرة اللجوء “مارغولين فابر” إن بلادها تقدمت بطلب إلى المفوضية الأوروبية للانسحاب من قواعد اللجوء التي تُلزم جميع الدول أعضاء الاتحاد باتباع سياسة موحدة بشأن استقبال اللاجئين والمهاجرين.
يأتي هذا عقب إعلان الحكومة اليمينية الجديدة برنامجها الرسمي حول الهجرة واللجوء متضمنًا “قوانين صارمة” للحد من تدفق اللاجئين الذين يشكل السوريون معظمهم.
وقال الصحفي السوري المقيم في هولندا، عمر الحلبي، لموقع حلب اليوم، إن الحكومة “تحاول غلق جميع الأبواب في وجه المهاجرين الجدد”، دون مبررات، بينما هي في حاجة للمزيد منهم.
وحول تفسير رغبة الحكومة في الانسحاب من قواعد اللجوء الخاصة بالاتحاد الأوروبي، أكد الحلبي أنه “لا توجد أسباب منطقية تدعوها للانسحاب من تلك القواعد، فهي تعاني من النقص في اليد العاملة في جميع المجالات”.
عندما تتغلب العنصرية على المصلحة
تنتشر النزعة العنصرية في العديد من الدول الأوروبية، فضلا عن التحريض ضد المسلمين بشكل خاص، وهم الغالبية العظمى من طالبي اللجوء، لكن حاجة تلك الدول للعنصر البشري دفعتها لاستقبال المهاجرين، مع تراجع أعداد المواليد وتفكك المزيد من الأسر.
ولا تبتعد هولندا عن تلك الحالة، حيث أنها في حاجة لليد العاملة التي يمكن أن يؤمنها المهاجرون، ومن المفترض بها أن تفتح أبوابها لهم، لكن “هناك سبب وحيد فقط وهو عنصرية هذه الحكومة الجديدة ضد المهاجرين”، وفقا للحلبي.
وبحسب البرنامج لن يُسمح للآباء بلم شمل أبنائهم البالغين فوق 18 عامًا وسيتم تشديد معايير تقييم طلبات اللجوء كما لن يُمنح المهاجرون تصريح إقامة غير محدد بعد 5 سنوات ولن يتمكن اللاجئون من لم شمل أسرهم ما لم يكن لديهم منزل ودخل مناسب على أن يكونوا مقيمين لمدة لا تقل عن عامين.
ويعكس التحرك الهولندي توجهًا سياسيًا متزايدًا نحو التشدد في سياسات اللجوء، وهو ما قد يشكل تحديًا جديدًا للاتحاد الأوروبي، وفقا للتلفزيون الألماني الذي نقل عن المفوضية الأوروبية أن خيار الانسحاب من هذه القواعد “لن يكون متاحًا بسهولة، حيث يتطلب ذلك تعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي، وهو أمر قد يكون معقدًا ويتطلب توافق جميع الدول الأعضاء”.
واستطاعت الأحزاب السياسية في هولندا تأسيس حكومة ائتلافية مكونة في غالبها من اليمين، بعد مفاوضات امتدت لأكثر من 7 أشهر، مما أثار مخاوف الأقلية المسلمة والمهاجرين حيث تشكلت حكومة من اليمين المتطرف ويمين الوسط، برئاسة ديك شوف وهو رجل استخباراتي سابق.
وتعهد شوف بالعمل بجد لتحقيق “هدف حكومته الرئيسي المتمثل في الحد من الهجرة واللجوء”، معتبرا أنها “أكبر المخاوف” التي تهدد البلاد.
حساسية عالية ضد السوريين
تتشدد الحكومة في قوانينها ضد اللاجئين أكثر من باقي الدول الأوروبية، بالرغم من كونها بعيد عن “خط المواجهة الأول” لموجات المهاجرين، حيث تستقطب ألمانيا والسويد أضعاف ما يوجد في هولندا من طالبي لجوء.
وعلى الرغم من تقديمها لهذا الطلب، ستظل هولندا ملزمة بالقوانين الأوروبية المتعلقة باللجوء والهجرة في الوقت الحالي، وفقا للمتحدثة باسم المفوضية الأوروبية.
ويؤكد الحلبي أن البروبوغندا الإعلامية لحكومة فيلدرز تبرر أسباب تشديد إجراءات اللجوء بالضغط الكبير في إقبال المهاجرين، والحاجة إلى آلاف المنازل الجديدة والضغط على الميزانية وازدحام مراكز اللجوء COA وعدم السيطرة على الوضع هناك.
لكن التسليط الإعلامي على مشاكل بعض السوريين تحديداً، يساهم في تضخيم الأمور، حيث تتناسى الحكومة باقي المهاجرين من جنسيات آخرى، فيما “تعلم الدولة جيداً ان لديهم عصابات تفعل ما تشاء”، وفقا للصحفي السوري.
ويضيف موضحا أن التركيز الأكبر كان على تنفيذ الخطوات المشددة مثل تأخير الجنسية وإجراءات الإقامة ولم الشمل والأولوية في المنازل وإلغاء التعويضات وتأخير الجنسية إلخ، رغم أنه “كان من الممكن تدارك هذه الأزمة في بعض الخطوات بدون الحاجة لشن حرب إعلامية ضد السوريين والمسلمين تحديداً”.
وتأتي سياسة اللجوء الجديدة في هولندا كجزء من خطة الحكومة للحد من عدد طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين، وتقول فابر إن هذه الإجراءات تهدف إلى الوفاء بالتزامات الحكومة الدستورية المتعلقة بتوفير السكن والرعاية الصحية والتعليم، وإن “الحد من الهجرة ضروري لضمان استقرار النظام الداخلي”.
وبالرغم من استهدافهم الواضح، يجد السوريون أنفسهم أمام خيارات قليلة، تدفع العديد منهم لطلب اللجوء في هولندا.
ويقول الحلبي إنه لا يمكن لوم المهاجرين، حيث أن هناك عدة أسباب تدفع بعض المهاجرين ممن لديهم أقارب وعائلات للاتحاق بهم في هولندا، لأنهم يريدون العيش بقربهم.
ولكن الصحفي السوري المقيم هناك لا ينصح أحدا بتقديم اللجوء في هولندا حالياً، “في ظل هذه الحكومة العنصرية المتشددة” ، مرجحا أن الحكومث ستخطو على خطى السويد في مجال سحب الأطفال من المهاجرين لزيادة الضغط عليهم بعد رفض الاتحاد الأوروبي لطلب هولندا الأخير.
كما توقع أن تكون هناك هجرة عكسية كبيرة بحال تم اتخاذ هكذا إجراءات مستقبلية للتشجيع على مغادرة البلاد.
وتستقبل هولندا منذ عام 2021 ضعفي العدد المخصص للاجئين، وهذا ما دعى الحكومة الجديدة لاتخاذ الكثير من القرارات؛ على سبيل المثال تم إلغاء التعويضات عن التأخير بحال حصوله من قبل منظمة الهجرة والتجنيس IND وهذا يعني بأن اللاجئ الجديد من الممكن أن يبقى تحت قيد الدراسة لعدة سنوات بدون أية وسيلة ضغط على الحكومة.
وتضم الحكومة الهولندية الجديدة أربعة أحزاب، من بينها حزب الحرية بزعامة خيرت فيلدرز، الذي تصدر الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2023، ومن بين الخطوات المثيرة للجدل التي تدرسها الحكومة إعلان حالة طوارئ لتمكينها من تعليق العمل ببعض بنود قانون اللجوء دون الحاجة إلى موافقة البرلمان.
وكان حزب فيلدرز اليميني المتطرف قد حصل على خمسة من أصل 15 منصبًا وزاريًا في الحكومة الجديدة، لكنه أكد أن الانسحاب من سياسة اللجوء الاوروبية قد يستغرق “سنوات”، فيما قال المجلس الاستشاري الهولندي لشؤون الهجرة إن الاستثناء لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تغيير الأحكام الأساسية للاتحاد الأوروبي.