عادت تركيا إلى المشاركة في اجتماعات جامعة الدول العربية، وسط تحسن في علاقاتها مع عدة دول أعضاء بالجامعة في مقدمتها مصر، وسعي تركي نحو المصالحة مع سلطة الأسد والمزيد من العلاقات التجارية مع دول الخليج.
وشارك وزير الخارجية هاكان فيدان، أمس الثلاثاء، في اجتماعات مجلس وزراء خارجية دول مجلس جامعة الدول العربية في القاهرة، والتي انطلقت أعمال دورتها الـ 162 على مستوى وزراء الخارجية، برئاسة اليمن.
وانتقد فيدان خلال الاجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وداعميه، متوعدا بأنهم “سيخضعون للمحاسبة” على الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.
وفي تعليقه على تلك المشاركة التي أتت بعد 13 عاما من شبه القطيعة مع الجامعة، قال حسام نجار الصحفي والمحلل السياسي السوري المختص بالشأن الدولي، لحلب اليوم، إن تركيا “تسعى للمشاركة الفعالة في أحداث المنطقة وتقوي علاقاتها مع دول الخليج من أجل تحسين اقتصادها”.
وحول ما إذا كانت هذه المشاركة تعني فتح صفحة جديدة في السياسة الخارجية التركية، قال الكاتب الصحفي السوري، أحمد مظهر سعدو، لحلب اليوم، إن “الأتراك على ما يبدو يحاولون منذ فترة زمنية الاشتغال حثيثا على فتح صفحة جديدة مع الدول العربية عبر سياسة خارجية تركية تمسك بالمسألة من موقع المسؤولية الإسلامية التي تتلاقى بالضرورة مع الموقف العربي عبر إعادة الاعتبار لمحور عربي إسلامي يحاول جاهدا أن يكون موجودا إن أمكنه ذلك ضمن ظروف دراماتيكية غاية في الصعوبة وفي سياق العجز العربي والإسلامي عن نصرة غزة بعد مايقرب من سنة متواصلة على حرب الإبادة الصهيونية”.
وقال فيدان أمس إن بلاده انضمت إلى القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية من قِبل جنوب إفريقيا ضد إسرائيل مضيفا أن الدماء التي تُراق في قطاع غزة، ما هي إلا نتيجة مباشرة للهجمات الإسرائيلية السابقة التي مرت دون عقاب.
من جانبه لفت نجار إلى أن “محددات السياسة الخارجية التي وضعها حقان فيدان هي التي ترسم الخطوط العريضة التي تسير عليها الخارجية التركية و أهمها القبول بتركيا في المنطقة كعضو فاعل سلمي بمعنى أن تكون علاقاتها متينة و قوية و دون أن يعتبرها البعض عدواً له أو نداً يجب محاربته”.
ولفت إلى أن الدعم الإماراتي والسعودي والقطري حال سابقا دون ارتفاع نسبة التضخم في الاقتصاد التركي وهبوط الليرة لمستويات قياسية، مضيفا أن الدول العربية وخاصة الفاعلة منها تريد في المقابل وضع تركيا كثقل في مواجهة إيران وخاصة أنه قد تمت دعوة إيران للقمة العربية في اجتماع سابق.
ويرى المحلل السوري أن أنقرة تعمل على “تصفير مشاكلها العامة و الإبقاء على مشكلة قسد و توابعها و تحاول بنفس الوقت تخفيف أو منع دعم بعض دول المنطقة لقسد حسب الرغبة الأمريكية”.
وحول توقعاته للمرحلة المقبلة في العلاقات التركية – العربية، رجح سعدو حدوث “المزيد من الفاعلية والانجدال مصلحيا ووعيويا من أجل تشكيل كتلة قوية تتمكن من إنتاج أفعال لا أقوال في ظل حالة من الفوات العربي والإسلامي وأمام عجز جامعة الدول العربية عن فعل أي شيء من أجل فلسطين وقضايا الأمة كما هو بالضبط حال العجز المقيم الذي تعيشه منظمة الدول الإسلامية التي تعاني هي الأخرى من قلة الحيلة والصدأ الذي علا جباهها أمام قضايا مصيرية ومذبحة كبرى ترتكب بحق شعب غزة والضفة الغربية في فلسطين كما هو الموقف تماما أمام واقع السوريين الأكثر سوءا وبؤسا”.
أما نجار فقد توقع أن “تزداد العلاقات متانة و قوة و أن تكون الثنائيات معززة بشكل أكثر تأثيراً و أن تُمنح تركيا حصة في المشاريع العربية و زيادة القوة البشرية التركية في المنطقة على حساب القوة الإيرانية رغم مخاوف بعض الدول من النزعة التركية المائلة للسيطرة، لكن يمكن تحجيمها اقتصادياً فيما لو أرادت”.
هل يرتبط ذلك بملف التطبيع مع الأسد؟
رغم حديث الجانبين عن تقدم في جهود التطبيع، إلا أن وزير خارجية سلطة الأسد فيصل المقداد غادر قاعة الاجتماع خلال إلقاء فيدان لكلمته، ما يعطي مؤشرا قويا حول استمرار الخلافات بين الجانبين.
إلا أن سلطة الأسد لم تعترض رسميا على المشاركة التركية، كما أن المقداد أعرب عقب ذلك عن أمله في تقدم جهود التطبيع مع تركيا، حيث بدا أن سلطة الأسد تترك الباب مواربا أمام أنقرة.
ويرى نجار أن الملفات مرتبطة بل “قد يكون تسريع أردوغان لعملية التطبيع مع الأسد و دخوله بقوة من البوابة العربية و خاصة بعد افتتاح السفارة السعودية في دمشق بشكل رسمي، فقبول السلطة مرة جديدة في البنية العربية يتطلب من اردوغان التطبيع معها، وهذا ما نلاحظه من اجتماعات المعارضة مع المسؤولين الأتراك و توجيه النصائح ( كما يقال ) و هي عبارة عن أوامر مبطنة”.
وقد شارك في الاجتماع وزراء الخارجية العرب ورؤساء الوفود، وعدد من الشخصيات الدولية البارزة، مثل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة منسقة الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ.
وتأتي دعوة تركيا للاجتماع بعد تقاربها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آب أغسطس الماضي، وذلك بعد سنوات من التوتر في العلاقات بين الجانبين.
ويرى نجار أن المصلحة التركية لها عدة جوانب تلاقت في خط واحد و هو التطبيع مع سلطة الأسد و السير باتجاه العرب على حساب أوروبا.
لكن سعدو لا يعتقد أن هناك “أي ارتباط بين حضور تركيا القمة العربية ومساعيها المتعجلة للتطبيع مع الأسد، حيث تتواصل الاتصالات التطبيعية عبر بوابة موسكو وليس عبر البوابة العربية التي بدأت التطبيع قبل ذلك ثم تعثر لأن الأسد تمنع بأوامر إيرانية عن تلبية المتطلبات العربية العديدة”.
وأضاف أن الأسد “مازال يغرق نفسه بالوعود دون تطبيق أي من التوافقات مع العرب وهو سيفعل ذلك مع تركيا فيما لو استمر قطار التطبيع متحركا نحو مآلات جديدة وتفاهمات معها”.
وكان المقداد قد قال أمس إنه “يأمل أن تتحقق تصريحات الرئيس التركي في تشكيل محور تضامني سوري – مصري – تركي لمواجهة التهديدات، وأن تكون هذه رغبة تركية صادقة وحقيقية”، مؤكدا اشتراط “الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها تركيا في شمال سوريا وغرب العراق”، من أجل أن تكون هناك “خطوات جديدة في التعاون السوري – التركي، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها”.