لا يزال عشرات آلاف السكان في العديد من القرى بريف إدلب الشرقي والجنوبي والغربي، وريفي حماة وحلب بالقرب من خطوط التماس مع قوات الأسد، قاطنين في مساكنهم مع معاناة مستمرة ومضاعفة، بسبب الانتهاكات اليومية التي يتعرضون لها.
وفيما يحذر الدفاع المدني الأهالي باستمرار من الاقتراب من خطورة الاقتراب من مناطق الاشتباكات، يؤكد أن عشرات الآلاف لا يزالون في قراهم فضلا عن النازحين، بسبب صعوبة توفير مأوى بديل.
وتتعرض القرى القريبة من الخط الفاصل بين قوات الأسد وفصائل المعارضة بشكل دائم، لقصف وهجمات مستمرة بالصواريخ وقذائف المدفعية، حيث يمتد الاستهداف لجميع المناطق خلف ذلك الخط، ما يزيد من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها السكان.
يقول “عزام .ح” من جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، لحلب اليوم، إنه وعائلته مضطرون للبقاء في منزلهم رغم الخطر الحقيقي الذي يداهمهم منذ سنوات.
اجتاحت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية ريف إدلب نهاية عام 2019، حيث احتلت سراقب شرقيها، و معرة النعمان وكفرنبل جنوبها، ووصلت إلى تخوم جبل الزاوية مطلع عام 2020، وسط فرار جماعي للسكان أمام الزحف المدعوم بقصف وحشي روسي، قبل أن تستقر الأوضاع بموجب اتفاق 5 مارس بين الأتراك والروس.
ومع العودة للهدوء عاد سكان القرى القريبة من خط التماس في الجبل، وفي قرى وبلدات شرقي المحافظة مثل النيرب وسرمين ومعارة النعسان وغيرها الكثير.
لكن قوات الأسد، بدعم روسي إيراني لا تزال تستهدف كافة التحركات في عدد من القرى الممتدة من ريف حماة الغربي حتى ريف حلب، سواء السيارات التي يتم ضربها بصواريخ الكورنيت المضادة للدروع، أو بالرشاشات الثقيلة، فضلا عن استهداف المنازل بقذائف الهاون والمدفعية والصواريخ.
يقول عزام إنه وعائلته يعيشون في تلك الأوضاع تتنازعهم الحيرة، منذ نحو 4 أعوام، بسبب استمرار الاستهداف اليومي، والصعوبات البالغة في العمل بأرضه الزراعية، جراء خروج طائرات استطلاع ترصد أية حركة لتزود المدفعية بالإحداثيات لاستهدافها.
أمام هذا الوضع تطلب الزوجة والأولاد من الأب الخروج والبحث عن مكان آمن، لكن أسعار الإيجارات وتكاليف الحياة الغالية مع قلة الدخل تُضره للبقاء، رغم رغبه في المغادرة.
يشير الرجل الخمسيني إلى حالة الرعب التي تنتاب العائلة عند استخدام قذائف كراسنيبول الروسية، فهي قذائف دقيقة موجهة بالليزر وذات حشوة متفجرة فراغية تؤدي لهدم البيت بشكل كامل، وقد سببت فيما سبق مجازر واسعة، فضلا عن الطائرات الروسية التي تقصف المنطقة بين الحين والآخر.
كما تزايد خلال الأشهر الأخيرة استخدام المسيرات ما أدى لإيقاع الضحايا والمصابين والمزيد من الإرباك في حسابات المدنيين، وسط حالة من التوتر المستمر بالمنطقة.
وتستخدم الميليشيات الإيرانية تلك المسيرات المعدلة يدويا والمحملة بالقنابل الصغيرة، منذ سنوات، وقد تم استعمالها بشكل لافت خلال الحملة الأخيرة، لكن العام الحالي شهد منذ بدايته زيادة في استعمال تلك الطائرات الصغيرة التي تتميز بدقتها.
و يتجاوز عدد استهدافاتها في بعض الأيام العشر مرات خلال اليوم الواحد، ما سبّب التوتر والخوف على الحياة اليومية في شمال غرب سوريا، نتيجة التهديد الذي يتربص بالسكان بشكل مستمر، وفقا لما قاله محمد الرجب، مدير المديرية الثانية في الدفاع المدني السوري، لموقع حلب اليوم.
يقول الحاج أبو زهير النازح من ريف إدلب الشرقي، إنه سكن في قرية النيرب القريبة من بلدته التي نزح منها، حيث يوجد لدى أحد أصدقاءه منزل قدمه له مجانا بدون مقابل، لكنه منذ استقر في تلك القرية عام 2020، لم يشعر بالأمان مع أفراد اسرته لتكرار القصف المدفعي والصاروخي.
إلا أن المسيرات الإيرانية – يضيف الحاج – باتت أكثر خطورة، حيث تلاحق السيارات والأفراد ومن الصعب الإفلات منها في حال كنت على أرض مكشوفة.
ولا يقتصر استهدافها للآليات السائرة على الطرق أو بالقرب من خطوط التماس،حيث استهدفت سيارة الحاج الشهر الفائت، وهي مركونه داخل سور البيت، ما ألحق بها خسائر مادية، ودفعه أخيرا لمغادرة المنزل نحو مدينة إدلب، حيث اضطر لاستئجار منزلين هناك لعائلته وعائلة ابنه وهو ما يعني زيادة في العبء المادي، مع انعدام الدخل، باستثناء راتب بسيط يحصل عليه ولده لا يتجاوز 150 دولارا.
وفيما لا يزال الحاج أبو زهيد قادرا على تحمل تكاليف النزوح، يوجد نحو 70,000 مدنيا معرضون للخطر اليومي وذلك فقط ضمن المناطق التي تبعد 9 كيلومترات عن الخطوط الأمامية، بسبب عدم توفر البديل أمامهم، وفقا لرجب.
ومن ضمن السكان هؤلاء يوجد نحو 22,000 نازح، لجأوا لتلك المنطقة بسبب انخفاص أسعار الإيجارات أو وجود بعض المساكن التي قد تكون مجانية مقدمة من الأهالي في حالات استثنائية رغم أن معظمها غير معد للسكن.
ويصف الرجب ما يواجهه المدنيون في شمال غربي سوريا بأنه تهديد خطير مضيفا أن “هذا التصعيد في التكتيكات يهدد حياة السكان الأبرياء، ويدمر وسائل بقائهم على قيد الحياة وسبل عيشهم، بسبب الطبيعة الممنهجة لهجمات هذه المسيرات الانتحارية”.
يشار إلى إصابة مدنيين اثنين بقصف مدفعي لقوات الأسد استهدف مدينة جسر الشغور غرب إدلب، صباح اليوم الأربعاء.