أعادت حادثة الطعن الأخيرة في مدينة زولينغن غربي ألمانيا الأضواء إلى ملف اللاجئين، والمطالبات بإطلاق عمليات الترحيل باتجاه سوريا وأفغانستان أو جوارهما، حيث ارتفعت أصوات الأحزاب اليمينية المتطرفة، بعد مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين.
وكان الهجوم قد وقع يوم الجمعة الماضي خلال مهرجان في مدينة زولينغن، وسلم منفذه، وهو شاب سوري الجنسية يبلغ 26 عامًا، نفسه للسلطات الألمانية، مساء السبت، فيما تبنى تنظيم الدولة الحادثة.
وبحسب وسائل الإعلام المحلية فإن المنفذ طعن بشكل عشوائي العديد من الزوار المحتفلين، بسكين كان يحملها، في ساحة حيوية وسط المدينة، خلال “مهرجان التنوع” الذي أقيم بمناسبة الذكرى الـ650 لتأسيس مدينة زولينغن.
وحول أسباب تصاعد الدعوات لترحيل اللاجئين مؤخرا في ألمانيا، قال مروان العش أمين رابطة السوريين في بريمن، لحلب اليوم، إن بعض الأحزاب اليمينية تستغل وجود “فئة قليلة من اللاجئين الذين لم يستطيعوا العمل لمطالبهم المتطرفة كما تستغل أية سلبيات تظهر من أفراد هذه الفئات أو القاصرين العاطلين عن العمل لتوجيه اللوم للحكومة الألمانية والإئتلاف الحاكم بأنه يتساهل مع هؤلاء”.
وأضاف أنه هناك دورا منوطا بالمجتمع الألماني والأحزاب من اليمين إلى اليسار لمنع ذلك، فيما تستغل بعض الجهات تلك الظروف وتطالب بترحيل من يرتكب أية مخالفات أو جرائم منهم إلى بلدهم أو البلاد المجاورة لسوريا أو دولة ثالثة تقبل بهم.
وقد زار المستشار الألماني، أولاف شولتز المدينة أمس الاثنين، وتعهد بتسريع عمليات الترحيل، قائلا: “سيتعين علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لضمان إعادة وترحيل أولئك الذين لا يستطيعون أو لا يسمح لهم البقاء في ألمانيا”.
ووصف حادثة الطعن بأن “كانت إرهابًا ضد جميع الألمان”، معتبرا أن الحل لمواجهتها يكمن في تنفيذ دعواته السابقة لترحيل مرتكبي الجرائم والمخالفين وكل من يشكل خطرا على أمن البلاد، بمن فيهم المعارضون لإسرائيل.
فئة قليلة
قال العش إن “الهجرة السورية الكبرى إلى أوروبا وألمانيا خاصة وصلت ذروتها في ٢٠١٥ واستمر تدفق السوريين إلى تاريخه ولو بوتيرة منخفضة عبر طرق شرعية (إعادة توطين و فيزا متنوعة) وعبر التهريب أو الوصول لبلد ثاني ثم ألمانيا، ويقارب عدد السوريين بألمانيا حاليا مليون سوري وربما أكثر”.
وأكد أن “الكثير من السوريين أثبتوا حضورهم واندماجهم بالمجتمع الألماني من حيث تعلم اللغة والعمل والالتزام بالقوانين، وحصل كثر على دورات تكوين مهني (اوسبلدونغ) مدفوعة مكلف بآلاف اليوروهات من قبل الدولة، كما تمّ الاعتراف بكثير من مؤهلاتهم العلمية، من الطبيب إلى المهندس والصيدلي والمساعد الفني وتعديل شهاداتهم السورية إلى الألمانية، وهؤلاء حصلوا على فرص عمل فورا وبرواتب جيدة وفرت لهم الاستقرار والمثابرة ثم تحصيل الإقامة الدائمة والجنسية بعد ٨ سنوات وأقل”.
كما “انطلق أصحاب المهن الحرة للعمل كل فيما يتقن من مهنة، وهؤلاء بحسب الإحصائيات الألمانية تزيد نسبتهم عن 40% من السوريين بعد ٢٠١٥، والباقي منهم يتابع الاندماج عبر تعلم اللغة و العمل الجزئي ولاتقل نسبتهم عن 30%، أما الباقون فلهم ظروفهم من حيث كونهم عاطلين عن العمل ويعيشون على المساعدة الاجتماعية من السوسيال أو الجوب سنتر أي ‘متعطل مؤقتاً ويبحث عن عمل’، وأغلبهم فوق 50 سنة ويواجهون صعوبات تعلم اللغة كما أن توفر فرص العمل قليل لهذه الفئة”.
وبحسب الناشط السوري فإن الألمان ينظرون لمن يعمل باحترام شديد، ويساعدون أي باحث عن فرصة عمل إذا كان جديا وملتزماً، بينما ينظرون بسلبية لمن لايعمل أو يعيش على المساعدة، وهو قادر على العمل فيما يستنفذون له فرصا عديدة يبحث فيها بنفسه أو عبر شركات متخصصة.
كما يوكد أن “هناك للأسف أفعال فردية للسوريين من القصّر أو الشباب غير الملتزم بالقوانين الألمانية، حيث يسبب هؤلاء الضرر على مجموع السوريين في ألمانيا وأوروبا، ولاسبيل لحل عدم التزامهم بالقانون وتكرار مخالفاتهم إلا العقوبات ثم الترحيل”.
ما الخطوة التالية؟
فيما تتصاعد أصوات الأحزاب اليمينية الرافضة لاستقبال مزيد من اللاجئين، وتحاول الضغط على الحكومة لترحيل عدد منهم، تسعى وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيروز، لإبرام اتفاقيتي ترحيل إحداهما مع أفغانستان، والأخرى مع “سوريا”، فيما يبدو أن سلطة الأسد هي المعنية.
ويلفت العش وهو ناشط سوري مقيم بألمانيا، إلى
أن سوريا لازالت بلدا غير آمن وفق تصنيف الأوربيين والألمان، وبالتالي “تواجه صعوبات ترحيلهم حتى اليوم”.
لكن فيروز لم توضح موقفها من تحذيرات المنظمات الإنسانية والحقوقية الرافضة للترحيل، بسبب إمكانية تعرض المُرحلين للانتهاكات، حيث يواجهون خطر الموت تحت التعذيب في سجون الأسد.
إلا أن الوزيرة تقول إنها “مقتنعة بوجود وسائل وطرق لتحقيق ذلك”، فيما أكدت المتحدثة باسم الداخلية، أن هناك مفاوضات جارية بهذا الخصوص مع دول مختلفة، حيث أن “مصالح الأمن الألماني تأتي في المقام الأول”.
من جانبه رفض المتحدث باسم الحكومة، شتيفن هيبشترايت، مطالب المعارضة الألمانية بوقف برنامج إيواء طالبي اللجوء القادمين من سوريا وأفغانستان.
وقال هيبشترايت إن ذلك مخالف للدستور ولقانون حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، مشددا على أن “الحق الأساسي في اللجوء هو أحد الإنجازات المركزية للدستور الألماني.. ولا أحد يريد المساس بالحق الفردي في اللجوء”.
وبعد حادثة زولنغن وقتل ثلاث ألمان وجرح ثمانية، “تصاعدت المطالبات بترحيل المجرمين أولا والمخالفين ثانيا، ووقف تدفق وقبول لجوء السوريينو. الأمر الذي سيصيب كثيرين لاذنب لهم بالضرر إن تم تطبيقه”، وفقا للعش.
وحول وعود شولتز بتسريع عمليات الترحيل، والمتوقع في هذا الإطار، قال أمين رابطة السوريين في بريمين، إنه من الممكن للحكومة الألمانية اتخاذ إجراءات عبر البرلمان ترضي الأحزاب والمطالبين بوقف الهجرة وترحيل المجرمين والمخالفين.
وأشار إلى أن ألمانيا تقوم بجهود مع دول جوار سوريا وأفغانستان ورواندا للاتفاق على ترحيل بعض السوريين إلى هذه الدول مقابل منافع لهذه الدول، مضيفا أن “هذا يمكن أن يحدث قريبا للأسف”.