حلب اليوم – خاص
تعد “المونة الشتوية” جزءاً من التراث الشعبي العريق في الجزيرة السورية، حيث كانت تُحضّر على مدى عقود كغذاء أساسي وصحي لأهالي المنطقة خلال فصل الشتاء البارد والطويل.
تتضمن هذه المؤون مجموعة متنوعة من المواد الغذائية، مثل المربيات، ودبس البندورة، والباميا، وورق العنب، والمخللات، بالإضافة إلى الجبن، والبرغل، والعدس، والزيتون، والمكدوس، والسمن العربي.
ولكن خلال السنوات الماضية تغيّرت الظروف بشكل كبير، حيث أصبحت القدرة على تجهيز المؤونة الشتوية تتلاشى شيئًا فشيئًا بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، والتدهور المستمر في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. هذه التحديات الاقتصادية أثقلت كاهل الأسر، وخاصة في مدينة الحسكة، مما جعل الكثيرين يضطرون إلى التخلي عن تحضير المؤونة، التي كانت تشكل سابقاً جزءاً لا يتجزأ من ثقافتهم وتقاليدهم.
ومع اقتراب فصل الشتاء، يجد سكان الحسكة أنفسهم غير قادرين على تجهيز المؤونة في شهري “آب وأيلول” كما اعتادوا، نتيجة لارتفاع أسعار الخضار والمواد الأساسية. ويُعد هذان الشهران من أصعب الشهور للسوريين، حيث يتزامن مع بدء العام الدراسي وحاجة الأسر لتجهيز المونة، مما يضع ضغوطاً مالية كبيرة على أصحاب الدخل المحدود.
التجفيف كبديل للتخزين
زينب المحمد، وهي امرأة تبلغ من العمر 56 عاماً من مدينة الحسكة، تحدثت لـ”حلب اليوم” عن التغيرات التي طرأت على تقاليد تحضير المؤونة، وتقول: “في السابق، كنت أعمل لمدة شهرين كاملين في إعداد المونة بمساعدة بناتي وجيراني، حيث كان العمل الجماعي يمثل جزءاً من الروابط الاجتماعية بين النساء في المنطقة، إلا أن هذا العام، وبسبب الارتفاع الكبير في أسعار الخضروات، لم أتمكن إلا من تحضير 20 كيلوغراماً من الباذنجان المجفف و10 كيلوغرامات من الملوخية المجففة، متخلية عن إعداد باقي أصناف المونة.
وأضافت أن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، الذي تسبب في السنوات الماضية بتلف كميات كبيرة من الأطعمة المخزنة في الثلاجات، دفعني إلى الاعتماد على التجفيف كبديل للتخزين.
ارتفاع أسعار الخضار
مراسلة “حلب اليوم” أفادت بأن أسعار الخضروات ارتفعت إلى حد بعيد في الحسكة، حيث تجاوز سعر كيلو البندورة 20 ألف ليرة سورية قبل أسبوع، تزامناً مع إغلاق الطرقات والمعابر الأمنية في محافظة الحسكة من قبل “قسد”. وعلى الرغم من إعادة فتح الطرقات منذ أكثر من خمسة أيام، إلا أن الأسعار لم تنخفض كثيراً، حيث وصل سعر البندورة إلى 12 ألف ليرة، والخيار إلى 8 آلاف ليرة، والباذنجان إلى 7 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر الباميا 22 ألف ليرة سورية.
وتؤكد مراسلتنا على أن أسواق الخضروات والفواكه شهدت حركة خفيفة، مع تراجع إقبال الأهالي على شراء المونة الشتوية بكميات كبيرة، حيث باتت مشترياتهم تقتصر على المستلزمات اليومية الضرورية.
صعوبات اقتصادية
سائر العليان، صاحب محل لبيع الخضار في أحد أحياء الحسكة، أشار في حديثه لـ”حلب اليوم” إلى أن إعداد المونة المنزلية شهدت تراجعاً كبيراً هذا العام بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
وأوضح أن ارتفاع تكاليف المواد اللازمة لتحضير المجففات والمربيات والمكدوس، دفع الكثيرون إلى التخلي عن إعدادها، وأضاف أن تدهور مستوى الأجور جعل العديد من العائلات غير قادرة على تأمين احتياجاتها لأكثر من أسبوع، مما دفعهم إلى التركيز فقط على شراء الضروريات.
وعزا العليان ارتفاع أسعار الخضار في الأسواق إلى زيادة تكاليف الشحن والضرائب الجمركية، بالإضافة إلى اضطرار التجار لشراء المواد بالدولار الأمريكي لتلبية احتياجات السوق المحلية، منوّهاً إلى أن هذا الوضع جعل من الصعب على المواطنين تأمين متطلباتهم الأساسية، مما أثر بشكل كبير على تقاليد تحضير المونة التي كانت جزءاً من نمط الحياة في المنطقة.