تستمر الحكومة اللبنانية في الإعلان عن خطط جديدة لترحيل اللاجيين السوريين، منذ سنوات، دون جدوى، حيث يبقى الملف عالقا، فيما يتعرض السوريون لمزيد من الضغوط، مع خطر التسليم لسلطة الأسد.
وفيما تتجاهل الأخيرة التعاون في حل الملف، تتحدث الحكومة اللبنانية عن “مؤامرة” من المجتمع الدولي، حيث تحاول “تحذير” الغرب بين فترة و أخرى من تبعات اللجوء السوري، وهو ما يعقبه عادة دعم مادي جديد مقابل تأجيل حل الملف.
وفي تعليقه على ذلك قال المحامي اللبناني محمد صبلوح، لموقع حلب اليوم، إن ادعاءات الحكومة غير صحيحة معتبرا أن ما تقوم به هو محاولة تحصيل أموال من الدول المانحة عبر التهديد بورقة السوريين.
وأضاف أن الحكومة اللبنانية تعود للضغط على المجتمع الدولي، عبر ابتزازه من أجل تأمين الأموال بحجة أنها مستضيفة للاجئين على أراضيها، مع العلم بأن هذا الوجود ساهم في تجاوز أصعب أزمة مر بها لبنان عبر مساعدات المانحين.
يأتي ذلك فيما غرق لبنان ليلة أمس بالظلام، وسط انقطاع تام للتيار الكهربائي، حيث قالت وسائل إعلام محلية إن الوقود نفد من محطات التوليد.
وأوضح صبلوح وهو مدافع عن حقوق الإنسان، وحقوق اللاجئين، ومدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية، أن وجود السوريين ليس سببا في مشاكل البلاد، مؤكدا أن لبنان “يجب أن يستضيف اللاجئين وفق قواعد حقوق الإنسان فيما تتهرب الحكومة من تصنيف السوريين كلاجئين وتسميهم نازحين وهي تسمية خاطئة”.
وتحاول الدولة اللبنانية منذ عدة أشهر الحصول على قاعدة البيانات الشخصية (الداتا) الخاصة باللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما تدعو الأخيرة لتقديم تبرير مقنع لذلك، رافضة تقديم تلك البيانات.
وأبدى المحامي اللبناني استغرابه قائلا: “لديّ علامات استفهام حول هذا الموضوع، فوفق متابعتي مع الأمن العام تم ترحيل حتى الأشخاص المسجلين بالمفوضية ونحن وثقنا العديد من الحالات ممن تم ترحيلهم، وبالتالي يبقى السؤال لماذا يطلب لبنان الداتا من المفوضية طالما أن المسجلين بالمفوضية تم ترحيلهم؟ ورغم أننا أبرزنا طلبات لجوءهم؟.. هناك علامات استفهام وغموض حول هذا الطلب وهناك أيضا خطر على حياة المعارضين أو المسجلين في حال استلم الحكومة الداتا”.
وأضاف أن الحكومة تتحجج بموضوع إحصاء عدد اللاجئين وفي كل مرة تذكر أرقاما مخيفة، مشيرا إلى أن 800 ألف شخص فقط مسجلون بمفوضية الأمم المتحدة في لبنان رسميا، لكن الحكومة تتحدث عن مليونين و800 ألف لاجئ سوري و”هذا الرقم مبالغ فيه”.
لماذا الإعلان عن خطة ترحيل جديدة؟
يؤكد صبلوح أن الحكومة تحاول بشتى الوسائل استغلال المجتمع الدولي لتحصيل أموال عبر تهديده بموضوع اللاجئين السوريين، مضيفا بالقول: “رأينا كيف فعل ذلك عبر السماح بالهجرة غير الشرعية عن طريق البحر، حيث استمرت حتى جاء الرئيس القبرصي لبيروت ووعد بمساعدات لتتوقف الهجرة غير الشرعية بنسبة تسعين بالمئة.. لماذا؟ لأن الأجهزة الأمنية كانت تساهم عبر غض النظر عن هذه الهجرة للضغط على المجتمع الدولي وتهديده أي أنه يستغل موضوع اللاجئين لهذه الأعمال”.
ولفت إلى أنه “يجب على لبنان أن يعد خطة مرحلية تقضي بإعادة اللاجئين السوريين، ولكن عنوانها الحفاظ على كرامة الإنسان، رأينا في فترة من الفترات قبل مؤتمر بروكسل كيف مارست الحكومة أبشع انواع الحملات العنصرية الإعلامية على السوريين، وعندما جاءت وعود المساعدات وقفت الحملة الإعلامية ولكن الحملة الأمنية من قبل الأمن العام والجيش اللبناني، وأمن الدولة استشرست عنصريا في معاملة اللاجئين السوريين”.
ومضى بالقول: “رأينا البلديات التابعة للسياسيين المعارضين للثوار و للثورة السورية كيف طردوا السوريين من مخيماتهم بحجة أمن الدولة الذي يقوم بتشميع بيوتهم أو أماكن سكنهم بالشمع الأحمر، وهي إجراءات غير قانونية فيما يقوم الجيش بالترحيل بدون محاضر ويخطف الناس على الحواجز ليسلمهم لسلطة الأسد”.
ووثقت منظمة سيدار بعض الحالات حيث مات المُرحّلون في سجون الأسد بسوريا بينما لايزال مصير بعض الحالات مجهولا، مع وجود دلائل تؤكد أن الجيش اللبناني هو من سلمهم.
ولبنان هو من الدول الموقعة على اتفاقيات مناهضة التعذيب، وبالتالي فهي تمنعه من القيام بهذه الإجراءات و الجريمة غير القانونية، كما يرى صبلوح، أما بالنسبة للخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية اليوم فهي “مجرد محاولة لإعادة ابتزاز المجتمع الدولي، وليست خطة حل”.
كما أشار إلى أن بعض الوزراء وبعض نواب الأحزاب في لبنان لهم صلة بسلطة الأسد، مضيفا: “يبقى السؤال الأول؛ هل تريد الأخيرة عودة اللاجئين إلى أماكن سكنهم؟.. بحسب التجربة على الأرض فإننا لا نلمس صدقا جديا عند السلطة في قبول عودة اللاجئين”.
تجاهل أصل المشكلة
لم تطرح الحكومة اللبنانية في أي من خططها السابقة، أي بند يتعلق بأصل المشكلة التي أجبرت ملايين السوريين على الفرار من بلادهم، حيث يتم تسليمهم لقوات الأمن التابعة لسلطة الأسد.
ويتسائل المحامي اللبناني هنا؛ “هل تمت معالجة الأسباب التي دفعت الناس للهرب من بطش النظام والاحتماء ببلد من المفترض أن يحميهم؟” لافتا إلى وجود مناطق تسيطر عليها أحزاب لبنانية موجودة، ومن الممكن أن تتحول لمناطق آمنة في حال انسحبت منها.
ويرى أن الورقة التي طرحها لبنان “ليست جدية.. هي فقط ورقة للابتزاز ليس أكثر.. مرة يضغط على مفوضية اللاجئين ومرة بيتز المجتمع الدولي مع أن ملف اللاجئين يعالج بطريقة مختلفة عبر الدعوة لمؤتمر دولي يحمل المجتمع الدولي مسؤولياته.. كل ما تعده الحكومة اللبنانية ورئيسها نجيب ميقاتي يبقى تحت خانة الابتزاز لتحصين أموال ليس أكثر”.
وبعد طول أمد الثورة – يضيف صبلوح – لم يعد المجتمع الدولي مهتما باللاجئين وتغيرت أولوياته فهو يمر بأزمة اقتصادية كما أن الأزمة الأوكرانية أخدت دورا كبيرا بالإضافة لملف غزة… “بالطبع المجتمع الدولي يحاول التنصل من مسؤولياته بل يضغط على لبنان ويعده بمساعدات مقابل إغلاق أماكن انطلاق قوارب الهجرة غير الشرعية وليست لديه أولوية في مساعدة هؤلاء وتأمين حياة كريمة لهم”.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت أمس السبت أنها تناقش خطة أعدها فريق رئيس الوزراء “نجيب ميقاتي” تتكون من 5 بنود للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى سوريا.
وتشمل الخطة التي اعتمد ميقاتي في وضعها على خطة الحكومة السابقة “جمع بيانات السوريين وتصنيفهم بين اقتصاديين أو طالبي لجوء إلى بلد ثاني”، و “ضمان إعادة نحو 2.8 مليون لاجئ سوري” و”تشديد الرقابة على الحدود ومكافحة التهريب” و “تقديم المساعدات لدعم جميع الفئات الضعيفة بمن فيها النازحون” و”تحديد الإطار القانوني لفرص العمل”.