تمثل أسعار الخدمات الصحية، في الشمال السوري، عبئا اقتصاديا يواجه معظم السكان، وخصوصا الفقراء الذين يشكلون أغلبية المجتمعات، وذلك بالرغم من وجود المشافي العامة المدعومة من قبل المنظمات، وتوافر الرعاية والخدمات المجانية.
وفيما تشمل تلك الخدمات العمليات الجراحية، وغسيل الكلى، وتقديم الرعاية الخاصة لبعض الحالات، فإن ذلك لا يكفي لتغطية كافة النواحي، حيث لا يزال الكثير من السوريين يعانون لتأمين الأجور، فضلا عن الأدوية التي تعتبر غالية الثمن.
وشهدت أجور المعاينة الطبية والعمليات الجراحية، ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل متشابكة تنعكس بالتالي على جيوب المرضى، وأسرهم.
يشتكي أبو محمود في حديثه لحلب اليوم، من أنه يضطر للجوء للمشافي المجانية ومن ثم فإن عليه الانتظار طويلا، بينما لا يملك الوقت الكافي لأخذ إجازة من عمله من أجل معاينة ابنه الصغير، حيث لديه مشكلة عصبية نادرة.
وتبلغ “يومية” أبو محمود 100 ليرة تركية فقط، وهي قد لا تكفي لدفع “الكشفية” التي تتراوح بين 100 و 150، وقد تصل إلى 200، فضلا عن ثمن الدواء.
وفي حال أراد اللجوء إلى العلاج المجاني، فإن عليه الانتظار وخسارة أجره اليومي، فضلا عن أن الخيارات أمامه ستكون أضيق، لناحية الطبيب المعالج.
يرغب الرجل الأربعيني في اختيار أطباء معينين، من ذوي الكفاءة، ورغم أنهم موجودون في المشافي العامة، وأن الخدمة ممتازة في أغلب الأحيان؛ لكنه يقول إن نظام الدور الذي يخضع له يبقيه في حالة من عدم الارتياح.
ليست فقط أجور المعاينة التي تدفعه لاختيار المشافي العامة، حيث هناك أجور التحليلات الطبية التي تتوافر جزئيا في المشافي العامة، بأسعار مخفضة أو مجانا، ويبقى عليه إجراء بعض التحاليل في المختبرات الخاصة.
ومع التضخم الاقتصادي في تركيا وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، لم يعد ليومية العامل قيمة شرائية تذكر، كما يعد التضخم الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية، حيث يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل في العيادات والمستشفيات، بما في ذلك رواتب الأطباء والممرضين والطاقم الطبي، بالإضافة إلى تكاليف المعدات الطبية والأدوية.
وبحسب آخر تسعيرة حددتها نقابة أطباء إدلب، فقد حُدِّد أجور تشخيص المريض لدى الطبيب العام بسعر أربعة دولارات أمريكية، ولدى طبيب عام بخبرة لا تقل عن 10 سنوات بخمسة دولارات أمريكية، ولدى طبيب مختص بسبعة دولارات أمريكية، كما حُدِّدَت تسعيرة زيارة الطبيب لمنزل المريض (داخل البلد) بسعر 15 دولارا أمريكيا.
ارتفاع التكاليف
تعتبر تكلفة الأدوية، خاصة المستخدمة في التخدير، أحد العوامل الرئيسية التي تزيد تكاليف العمليات الجراحية، ومع الزيادات المستمرة في أسعار الأدوية، ترتفع أيضًا تكلفة الإجراءات الجراحية.
لكن الأجور التي يتلقاها الأطباء لقاء العمليات تعتبر مرتفعة، في نظر الكثيرين من أبناء المنطقة، وتُحدد بالدولار الأمريكي.
يقول محمد.ع إنه دفع نحو 150 دولارا لقاء عملية جراحية بسيطة لولده، لم تستغرق من وقت الطبيب أكثر من ربع ساعة، وهو مبلغ قد يعادل ثلثي مصروفه الشهري، في “فجوة كبيرة جدا” بالمجتمع، كما يسميها.
ويؤدي ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية والعمليات الجراحية إلى ضغط كبير على الأفراد والأسر، خاصة في المجتمعات التي لا تعتمد على نظام رعاية صحية عام يغطي هذه التكاليف، وقد يؤدي هذا الوضع إلى تأجيل العلاج أو حتى تجنبه تمامًا، مما يتسبب في تدهور الحالة الصحية للمرضى وزيادة التكاليف المستقبلية للعلاج.
يذكر أن دعم القطاع الطبي المجاني في المشافي العامة يتراجع بشكل متواصل في الشمال السوري، ما ينذر بعواقب وخيمة على المجتمع في حال توقفها.