شهدت الأيام القليلة الماضية تقدما أوكرانيا مفاجئا داخل الأراضي الروسية، سبقته ضربات قوية من طائرات إف – 16 التي تسلّمتها كييف من الأمريكيين، ما أوقع خسائر مهمة وسط القوات الروسية، تُنذر بتغير كبير في وجهة الصراع.
وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أمس السبت، إن القوات الأوكرانية تخوض قتالا في إطار هجوم مفاجئ على مدينة مساقك الروسية، بينما تجلي السلطات بالمناطق الحدودية الروسية عشرات آلاف المدنيين.
ومنذ نحو أسبوع تخوض القوات الروسية معارك عنيفة ضد أكبر توغل للقوات الأوكرانية في الأراضي الروسية منذ بدء الحرب، فيما يقول مراقبون إن الأجزاء الجنوبية الغربية من روسيا باتت عرضة للخطر بسبب إرسال القوات للغزو.
وحول تقييمه للتقدم الأوكراني داخل الأراضي الروسية، قال العميد الركن عبد الله الأسعد، لحلب اليوم، إن ما قامت به أوكرانيا هو طريقة جديدة معروفة في التكتيك العسكري، وفي نظام اقتتال القوات، لأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.
خرق كبير
يصف مراقبون ما يحدث في مساقك بأنه “التحدي الأكبر” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عقد يوم الجمعة، اجتماعا لمجلس الأمن الروسي، فيما أرسل الجيش تعزيزات لمنطقتي بريانسك و أورلوف.
وقد فرضت روسيا نظاما أمنيا شاملا في 3 مناطق حدودية، منذ أمس، كما أرسلت حليفتها بيلاروسيا المزيد من القوات إلى حدودها مع أوكرانيا، في مؤشر على خطورة الموقف.
ويرى العميد والمحلل العسكري الأسعد، أنه بالنظر إلى توازن القوى بين الروس والأوكرانيين، فإن ما حدث خارق للعادة بالمفهوم العسكري من حيث إن روسيا دولة عظمى وأوكرانيا دولة صغيرة، فما جرى “عبارة عن تمحيص للقوات الروسية يظهر حقيقة روسيا في أنها عبارة عن دولة لديها فقط رؤوس نووية تدميرية وإستراتيجية كبيرة. أما من حيث الصمود، ومن حيث نوعية الأسلحة فإن الروس لا يستطيعون التحمل والقتال”.
ولفت إلى أن القوات الروسية دخلت على أساس أنها عملية خاصة تنتهي خلال ثماني وأربعين ساعة وما جرى الآن أننا بتنا في السنة الثالثة والقوات الروسية تتكبد خسائر كبيرة، والجنود الروس يقتلون، مضيفا “على ما أعتقد في حال أُطِيل أمد الحرب فستكون خاسرة، وربما إذا ما أُثِّر في السلاح النووي الموجود في روسيا تأثيرا إلكترونيا، فستنهزم روسيا وستتلاشى وتتفكك”.
وفي خطابه المسائي عبر الاتصال المرئي، قال زيلينسكي، أمس، إنه ناقش العملية مع القائد العام للقوات المسلحة، ألكسندر سيرسكي، وتعهد “باستعادة العدالة” قائلا “تبرهن أوكرانيا أنها قادرة بالفعل على استعادة العدالة وضمان الضغط اللازم على المعتدي”.
من جانبه وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الهجوم الأوكراني بأنه “استفزاز كبير”، فيما هددت موسكو مجددا باستعمال السلاح النووي.
هل سيؤثر ذلك على الملف السوري؟
يأتي الهجوم الأوكراني الأخير على الأراضي الروسية بعد أيام من نشر أنباء حول شن هجوم أوكراني ضد قاعدة روسية في سوريا، وهو ما يثير الأسئلة حول ما إذا كانت إستراتيجية أوكرانيا في نقل المعركة لخارج أراضيها باتت أكثر وضوحا، وحول ما إذا كان هناك مزيد من الهجمات في سوريا.
من جانبه قال الأسعد إن الهجوم له دور كبير بالفعالية في حسم ملف الحرب على أوكرانيا، و”ربما يجعل ذلك بوتين حالة جنون ما قد يؤدي إلى توسع الحرب في محيط سوريا، وفي منطقة الشرق الأوسط والدول الإقليمية.
كما لفت إلى “عقيدة لدى الروس “وهي ألا يتراجعوا، وفي الواقع “سيكون لذلك تأثير كبير جدا”، كما أن “هناك اتفاقا أمريكيا – إيرانيا من تحت الطاولة تتخوف منه روسيا”، وتوقع العميد الركن أن يكون هناك “انفراج لسوريا ترى من خلاله الكثير من التبدلات في طبيعة الوُجود العسكري على الأرض السورية، وربما يطيح ذلك بالأسد”.
وأضاف أن “التحرك الإيراني هو تحرك استطلاعي استخباراتي مدروس حيث سوريا الآن هي أرض خصبة للاستخبارات”، وأوكرانيا “تعمل ضمن هامش واسع ومدروس ودقيق تعرف نتائجه”، هذا يعني أن ما تقوم به أوكرانيا هو “قطع الطريق على روسيا لتعطيها دروسا كبيرة جدا في كيفية التعامل معها بالغطرسة، فهي دولة متغطرسة ومتكبرة، لم ولن تلتزم بأي اتفاقية سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا أو مع الأتراك أو مع السوريين ولا مع أي طرف نتيجة التعجرف الروسي الذي يتبعه بوتين”.
وكان القائم بأعمال حاكم مساقك، أليكسي سميرنوف، قد أصدر أوامر للسلطات المحلية بتسريع إجلاء المدنيين من المناطق المعرضة للخطر، وذكرت وكالة “تاس” الروسية للأنباء أن أكثر من 76 ألف شخص أُجْلُوا، فيما قال سلاح الجو الأوكراني إن كييف والمنطقة المحيطة بها وشرق أوكرانيا بأكمله في حالة تأهب من الغارات الجوية الروسية المحتملة، وسط احتمال تعرض البلاد لهجمات بصواريخ باليستية.