يواجه المزراعون في الشمال السوري مجموعة من المشاكل المعقدة والمتداخلة، تؤدي إلى تراجع وضعهم الاقتصادي في الغالب، وبشكل مستمر، جراء عدة عوامل، ليس المناخ أكبرها.
فمن الاستيراد والتصدير إلى ارتفاع التكاليف، ثم الآفات المرتبطة بتقلبات الطقس، ومشاكل تتعلق بالتشخيص الصحيح وفعالية الدواء؛ يبقى الفلاحون عرضة لتكبد خسائر فادحة، دون حمايتهم من الجهات المعنية.
وأثرت تلك العوامل بشكل كبير على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في عموم البلاد، وهي بالأساس ناجمة عن الحرب المستمرة على السوريين منذ عام 2011، والتي أدت إلى تدمير واسع في البنية التحتية الزراعية، بما في ذلك شبكات الري والمعدات الزراعية والأراضي.
الاستيراد والتصدير
يعاني المزارع في الشمال السوري من مشكلة استيراد مختلفة أصناف الفواكه والخضار من تركيا، حيث تنافس منتجاته في السوق المحلية.
يقول المزارع عبد الرحمن أبو غياث من ريف مدينة الباب شرقي حلب، لموقع حلب اليوم، إنه يستغرب من عدم سعي الحكومة لإيجاد أسواق لمنتجاتهم في الخارج.
ويمضي بالقول: “بدلا من السعي لتصدير خضارنا وفواكهنا نحو الخارج، يستوردون لنا مختلف الأصناف مع حلول كل موسم، مما يهوي بالأسعار لنتكبد الخسائر.. لا نريد رفع الأسعار على حساب المستهلك ولكن إيجاد أسواق خارجية يساعدنا كثيرا”.
وبحسب الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، فإن تركيا لا تمانع في تصدير المواد من شمال غرب سوريا عبر أراضيها إلى دول أخرى، ولكن الشمال السوري بحاجة إلى تصدير منتجاته نحو الجنوب التركي.
وفيما يحظى المزارع التركي بدعم من حكومته، التي تعمل على تأمين الكثير من المستلزمات، فضلا عن الميزات التي تمنحها البنوك الزراعية؛ يعمل المزارع السوري في الشمال الغربي وسط ظروف وتحديات كبيرة.
ويؤدي تعزيز الدعم الحكومي للمزارعين حول العالم، بما في ذلك تقديم القروض والمساعدات الفنية، والعمل على جذب الدعم الدولي، إلى مساعدة القطاع الزراعي، لكن الأسر الريفية في عموم البلاد تأثرت بشكل كبير من نقص المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، مما زاد من حدة الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الزراعية.
اقتلاع الفلاح من أرضه
أدى تهجير عدد كبير من المزارعين في مختلف أنحاء البلاد لتركهم بلا مصدر دخل، وسط ارتفاع مستمر ومطرد في تكاليف المعيشة، ووجدوا أنفسهم حائرين في الشمال السوري حول ما يمكن أن يفعلوه مع عدم قدرتهم على العمل في مجال غير الزراعة، كما يؤكد المزارع حسن أبو محمود.
يعيش الرجل الستيني غربي إدلب منذ سنوات، عقب تهجيره من بلدته شرقي مدينة معرة النعمان، في ريف إدلب الشرقي، ولم يجد بدا من العودة لمحاولة العمل في الزراعة، حيث استأجر أرضا بمساحة 2.5 هكتار، ليزرعها بحبوب متنوعة.
قال أبو محمود إن عليه أن يتكبد نحو 10 آلاف دولار وسطيا، لزراعة تلك الأرض، في كل سنة، وهذا يعني مخاطرة كبيرة بالنسبة له، مع قلة رأس المال، إذ إنه من الممكن أن يخسر المبلغ بالكامل، كما أن عليه أن يدفع إيجار الأرض، ويغطي تكاليف عائلته البالغة من العدد 5 أفراد، بينما تتراوح أرباحه السنوية بين الصفر والثلاثة آلاف دولار، في حال نجاته من الخسارة.
وكان قد اضطر لشراء معدات الري من جديد، بسبب عدم قدرته على ترحيلها، مع تقدم قوات الأسد والميليشيات في ريف إدلب عام 2019.
وأدى نزوح العديد من المزارعين من أراضيهم، إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، حيث سيطرت سلطة الأسد والميليشيات على مساحات هائلة ممتدة من سهل الغاب حتى ريف حماة حتى ريف إدلب الشرقي وريف حلب الغربي، ولا تزال تلك المساحات شبه معطلة وخاوية من أهلها.
نقص الموارد المائية
تعاني سوريا عموما من نقص حاد في الموارد المائية بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط للمياه الجوفية، والذي يؤدي إلى انخفاضها تدريجيا، فضلا عن تضرر شبكات الري بشكل كبير نتيجة للحرب، مما زاد من صعوبة إدارة الموارد المائية بشكل فعال، كما هو الحال في سهل الروج وسهل الغاب غربي إدلب وحماة.
وفي ريف حلب الشمالي لا يزال المزارعون قادرين على الاستفادة من المجاري المائية وأفرع الأنهار، لكن ذلك محصور بأماكن محددة، كما أن تدفق تلك المصادر المائية لم يعد كما في السابق.
ومع توصيل الكهرباء التركية لشمال غرب سوريا، تحسنت الأوضاع بشكل نسبي، حيث لم يعد الفلاح مضطرا لاستعمال المولدات والديزل في السقاية، لكن ذلك لم يلغِ الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية، كمصدر رخيص للطاقة يمكن المزارع من خفض تكاليف الإنتاج.
يشار إلى غياب الإجراءات المطلوبة لمواجهة تلوث التربة والمياه، في الشمال السوري و عموم البلاد، حيث تؤكد عدة مصادر وجود ارتفاع في نسب المعادن الثقيلة في العديد من المنتجات الزراعية وهو ما قد ينجم عنه أمراض خطيرة.