تستمر سلطة الأسد في تخفيض ما يسمى “الدعم الحكومي”، ضمن سلسلة من الإجراءات التي بدأتها منذ أعوام، وذلك بالتزامن مع رفع متدرج لأسعار الوقود؛ نجمت عنه ارتفاعات متلاحقة لأسعار كافة المواد.
ويدّعي محللون مرتبطون بسلطة الأسد، أنها تتجه نحو اعتماد سياسات اقتصادية “مرنة” مبررين قراراتها في إطار “محاربة الفساد”، إضافة لعدد من التبريرات الأخرى مع شائعات عن رفع مرتقب للرواتب.
وفي تعليقه على ذلك، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لحلب اليوم، إن موضوع رفع الدعم عن المؤسسات الحكومية أو رفع الدعم بشكل عام وتخفيف العبء عن الموازنة هو خطة إستراتيجية تبعتها حكومة الأسد منذ عام 2020 بالتحديد.
وشهدت الأعوام الأربعة الأخيرة، والتي أعقبت تراجعا كبيرا في سعر صرف الليرة السورية، ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وانخفاضا مستمرا لمخصصات “البطاقة الذكية”، ومخصصات الدوائر الحكومية.
وقد بدأت سلطة الأسد، منذ عام 2020، بتخصيص الدعم لفئات معينة، ثم بدأت تقليص هذه الفئات رويدا رويدا ثم في بداية العام الحالي قامت بإلغاء الدعم وتعويض جزء من الموظفين، وفقا لشعبو الذي أكد أن سياسة تخفيض النفقات تأتي من أجل تخفيض عجز الموازنة وتقليل الانفاق في الداخل السوري.
وتتجه سلطة الأسد لتحويل المشافي العامة إلى خاصة، بل وصل الأمر إلى طرح مدارس حكومية للاستثمار في العاصمة، بينما تروج لما تسميها الخصخصة، وهو ما يترافق مع المزيد من ارتفاع الأسعار.
وأوضح شعبو أن السلطة عندما أصبحت غير قادرة على تأمين الاحتياجات، لجأت لدفع هذه القيم بشكل نقدي بموجب السعر اليوم، ولكن أسعار المواد فعليا قد تتغير بشكل متواتر جدا في الأيام القادمة، وهذا أمر آخر، ما يعني أن السلطة ستصبح غير ملزمة بتأمين هذه المواد وسوف تترك الأمر للسوق.
ومع ترك آلية العرض و الطلب لتقوم بتأمين المواد، تكمن هنا أيضا مشكلة، وهي أن “السوق السوري احتكاري بالمطلق وليس سوق منافسة وبالتالي سوف يجعل هذا الشعب السوري تحت وطأة التجار، أي تحت وطأة الميليشيات التي أصبحت اليوم تعمل بالتجارة”.
وفيما يرى بعض المحللين أن تلك الخطوة تمثل حالة انهيار اقتصادي جديد، فقد اعتبر شعبو أن الأمر ليس كذلك، بمعنى أن “الوضع الاقتصادي في سوريا منهار أصلا بشكل كبير جدا، ولكن سلطة الأسد تحاول إيجاد وسائل لتضمن استمرارها بافضل وسيلة ممكنة، ولم تجد ضالتها إلا في إزالة الدعم عن الشعب السوري بشكل كلي”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدعم لا يصل إلى عشرة في المئة من المطلوب، فحسب تصريحات حكومة الأسد فإن “مستحقي الدعم” يشكلون عشرة في المئة من الشعب السوري، علما بأن إحصائيات كثيرة من الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني تؤكد أن تسعين بالمئة من الشعب السوري يقبعون تحت خط الفقر، ولكنها “ليست لديها رؤية أخرى”.
وتحاول السلطة – بحسب شعبو – تخفيض الإنفاق وتخفيض عجز الموازنة وتقليل التزاماتها تجاه السكان، مدعية محاربة الفساد والهدر، ولكن “محاربة الفساد تكون في أماكن أخرى تتعلق بالمدخلات في عمليات الإنتاج و في عمليات التعاقد”.
ونوّه بأن سياسة الدعم المالي أو النقدي تنتهجه الكثير من الدول نوعا ما، ولكن الكارثة في سوريا هي في أن الوقت “غير مناسب لهذا الموضوع”، هناك أيضا “موضوع التغير في الأسعار و في قيمة العملة بشكل متواتر جدا والذي قد يلقي بظلاله على السوريين”، مرجحا أن “نشهد وصول سعر تصريف الدولار إلى عشرين ألف” بعد فترة، فيما ستبقى المساعدات النقدية على حالها لأنها لن تكون مرنة بمرونة تغير أسعار الصرف ومرونة تغير الأسعار في الحقيقة، وبالتالي قد يصبح هذا الدعم عبارة عن لا شيء أو يتلاشى تدريجيا نتيجة التغير في أسعار العملات.
لماذا اللجوء إلى آلات الصرف؟
أثارت خطوة حصر “الدعم النقدي” بآلات الصرافة انتقادات، بسبب وجود معوقات كثيرة، منها قلة عدد الصرافات الصالحة للاستعمال، وسوء توزيعها جغرافيا، ما يعني أن البغض سوف يضطر لقطع مسافات واسعة مع غلاء المواصلات من أجل تحصيل ميلغ زهيد لا يكاد يعادل تكلفة السفر.
وهناك الكثير من المحتاجين أو المستحقين للدعم هم خارج المساحات الجغرافية التي تغطيها المصارف، وبما أن تحويل الدعم بات عن طريق حسابات مصرفية فهنالك جزء كبير من الشعب السوري في الأرياف ضمن المناطق النائية لن يتمكن من الوصول إليها، وفقا لشعبو، الذي لفت إلى وجود عبء يضاف إلى عدم توفر بنية تحتية متكاملة لايجاد أو لفتح حسابات لهذه الأعداد المهولة من الأفراد.
وأكد أن تطبيق الموضوع تم دون اعتبارات صحيحة، حيث “ادعوا أنهم اعتمدوا على دراسة ولكنهم لم يظهروا هذه الدراسة ولم يظهروا آلية تحديد قيمة البدل، أي بالنسبة للخبز و للغاز و للمحروقات؛ كيف تم تحديد هذا البدل؟ ما يعني أنه لم تكن هناك شفافية في تحديد هذا الأمر ما يثير الكثير من الأسئلة حول كيفية تحديد الدعم”.
في مصلحة من يصب ذلك؟
دائما ما يجري الحديث عن إيران وأذرعها في البلاد، عندما تتخذ سلطة الأسد قرارات اقتصادية جديدة، بالإضافة للمتنفذين الذين يعملون لصالح أسماء الأسد.
ويرى الخبير السوري، أنه لا علاقة مباشرة بموضوع إيران ومصالحها الاقتصادية في سوريا، لكن هذا التغيير “سيكون في صالح من يتحكم في البلد، و من يسيطر اقتصاديا عليها، لأن سوريا بلد منغلق تماما اقتصاديا”.
ولفت إلى أن هناك بضعة كيانات هي التي تسيطر على الاقتصاد السوري بالكامل و”أموال هذا الشعب كلها تدور في حلقة ضيقة جدا هي سلطة الأسد ومن يدور في فلكها”.
يشار إلى أن مناطق سيطرة الأسد تشهد حاليا أزمة وقود بسبب تراجع الكميات المتوفرة في المحطات، مما يضطر معظم السائقين لشراءه بأسعار مرتفقة من “السوق السوداء”.