مقدمة
بدأ الحراك الثوري في المناطق المحررة ضد هيئة تحرير الشام في 25 من شباط للعام الجاري، وكانت البداية من مدينة سرمدا شمال مدينة إدلب، إذ خرجت المظاهرة الأولى على إثر مقتل سجناء تحت التعذيب في سجون جهاز الأمن العام، التابعة لهيئة تحرير الشام، ويديرها “أبو أحمد حدود”.
وطالب المتظاهرون حينها برحيل “الجولاني” وحلّ “جهاز الأمن العام” وإطلاق سراح المعتقلين “السياسيين” وليس المجرمين، وتشكيل مجلس شورى يتحدث ويحاكي لسان الشارع الثوري.
كشعلة النار، امتدت المظاهرات إلى كافة أرجاء المناطق المحررة التي تسيطر عليها الهيئة، ومع اتساع رقعة المظاهرات أفقيا وعموديا كان لابد من التنسيق بين المناطق الثائرة.
تنظيم المظاهرات والانتهاكات
التنسيق للمظاهرات بدأ عن طريق مشاركة منسقين من مختلف المناطق وفق “عبد الله مرديخي” وهو أحد أعضاء التنسيقيات، الذي أوضح أنهم يتواصلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتعزيز الجهود المبذولة وتوحيد الأفكار عن طريق الاجتماعات الفيزيائية.
وأضاف “مرديخي” في حديثه مع حلب اليوم، أنهم استطاعوا كمنسقين أن يجمعوا على أهداف الحراك دون أن يكون هناك أي خلاف على مطالب الشارع بل دعمها وبقوة.
في الثامن من شهر آذار الفائت بدأت المظاهرات تأخذ طابعا تنظيميا في أغلب المناطق المحررة، وفق “مرديخي” الذي أكد أن خروج المظاهرات كان يتم بالتنسيق بين التنسيقيات، حتى لا يتعرض المتظاهرون لأية انتهاكات.
في الشهر الثالث من العام الحالي، سجل المنسقون حالات انتهاكات عديدة ضد المتظاهرين، حيث أطلق جهاز الأمن العام التابع للهيئة النار في الهواء وهجموا بالسيارات على المتظاهرين في دارة عزة وسلقين وحزانو، فيما ضربوا آخرين في حارم وخربة الجوز بالعصي والحجارة وكسروا سياراتهم.
وأكد “مرديخي” أن فض المظاهرات بالقوة كانت ممنهجة وأعادت السوريين إلى ما كان يجري في بدايات الثورة، مثل حادثة فض اعتصام مدينة حماة.
حزب التحرير ودوره في الحراك الثوري
بدوره، أفاد الناشط “رامي عبد الحق ” وهو أيضا أحد أعضاء لجان التنسيق للمظاهرات أن حزب التحرير حزب سياسي قديم يعارض الجولاني وبدأ أعضاءه الخروج ضده منذ 10 أشهر تقريبا، حتى صادف حراكه الحراك الثوري الشعبي.
وأوضح “عبد الحق” في حديثه مع حلب اليوم أن الحراك الثوري الشعبي منفصل تماما عن حراك حزب التحرير ولا علاقة بينهما، مشيرا إلى أن أعضاء حزب التحرير لا يرفعون علم الثورة السورية، لأنهم لا يعترفون بالثورة السورية نفسها منذ انطلاقها.
وأضاف قائلا: ” المظاهرات التي نراها تكاد لا تخلو من أعلام الثورة والشعارات الثورية المكتوبة على اللافتات، فحراكنا اليوم هو ثوري شعبي بامتياز لا يتبع لأي حزب ولا لأي فصيل”.
وفي سعي من الجولاني لإخماد لهيب الاحتجاجات حاول تشويهها والالتفاف عليها من خلال وصمها أنها تتبع لحزب التحرير وحراس الدين وفق “عبد الحق” الذي لفت إلى أن هيئة تحرير الشام تتهم المحتجين أنهم يتقاضون مبالغ مالية تصل إلى 300 ليرة تركية لكل شخص مقابل خروجهم ضدها.
وأردف “عبد الحق” قائلا إن “الجولاني يتهم المتظاهرين بأنهم غير سلميين وأنهم يعتدون بشكل مباشر على عناصره المتواجدين على الحواجز”. ولكن ما يجري على العكس تماما إذ أن عناصر “الجولاني” هم الذين يعتدون على المتظاهرين وجميع الاعتداءات موثقة بالصور والفيديوهات.
وكشف مراسلو حلب اليوم عن العبارات التي باتت متداولة في شوارع إدلب، والتي تدعو المحتجين إلى التوقف عن حراكهم بحجة “الحفاظ على مكتسبات المحرر”، ويتم تداولها من قبل محسوبين على هيئة تحرير الشام بشكل غير رسمي، كما يساهم الجيش الإلكتروني التابع للهيئة في ترويج روايات تدّعي أن المتظاهرين هم من حراس الدين وحزب التحرير.
الاتهامات الموجهة للمحتجين تعيد إلى الذاكرة، ما كان يتداوله إعلام سلطة الأسد بداية الثورة، باتهام المتظاهرين أنهم سلفيون وإرهابيون ومندسون ولصق تهمة وهن نفسية الأمة وغيرها بالمتظاهرين.
الاحتجاجات مستمرة
هذا ويتميز الحراك في إدلب أنه يضم جميع الشرائح من طلبة علم وأكاديميين وناشطين ثوريين وغيرهم من فئات المجتمع، ويتفق الجميع فيه على ضرورة عدم التخريب أو الاعتداء على أي أحد والحفاظ على سلمية التظاهر وفق منسقو التظاهرات الذين أكدوا أنهم يعتبرون إسقاط الجولاني هو امتداد لإسقاط بشار الأسد، بل إن بعضهم يقول إنه البوابة الكبرى لتحقيق ذلك.
ثلاثة أشهر والمظاهرات مازالت مستمرة، وبلغت ذروتها أمس الجمعة 18/05/2023، حيث خرج المتظاهرون في أكثر من 10 نقاط أبرزها: مدينة إدلب، وبنش وتفتناز وباريشا ومخيم كفرومة بكللي وأورم الجوز وحزانو وكفرلوسين وكفرتخاريم والأتارب، فيما حاولت قوات الهيئة فض التظاهرات في بنش وجسر الشغور من خلال الهجوم على المتظاهرين بالرصاص الحي والحجارة والغازات المسيلة للدموع.
وتداول ناشطون أمس فيديوهات تظهر محاولة مصفحات للهيئة دهس المتظاهرين، وانتشرت فيديوهات تظهر اعتداء عناصر من الهيئة على متظاهر في جسر الشغور وهو يصرخ قائلا: “اتقوا الله”، كما اعتدوا على المتظاهرين في إدلب، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات في نقاط تظاهر مختلفة.
ومن أبرز الشعارات التي رددها المتظاهرون” جولاني ولاك ما بدنا ياك، يا جولاني اسمع اسمع نحن الثورة ما بنخاف، الموت ولا المذلة وعن هالثورة ما بنتخلى، الثائر يرفع إيدو الجولاني ما بنريدو، علوا الصوت يا منعيش بكرامة يا أما بنموت”.
أما أبرز مطالب المحتجين فهي إطلاق سراح معتقلي الرأي وتنحي الجولاني عن السلطة وحل الجهاز الأمني، وإطلاق الحريات العامة، وتحسين الواقع المعيشي في مناطق سيطرة الهيئة.
إلى هذا، تُشير بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن هيئة تحرير الشام قتلت ما لا يقل عن 505 مدنيين منذ الإعلان عن تأسيس “جبهة النصرة” في سوريا في يناير 2012، وحتى نهاية عام 2021.
وتوضح أيضاً أن ما لا يقل عن 2327 شخصاً لا يزالون قيد “الاحتجاز التعسفي” أو الاختفاء القسري في سجونها.