عمر حاج حسين
“كأنها القيامة”.. عبارة استهل بها عدنان الشيخ في وصفه لـ زلزال شباط من العام الماضي، الذي فقد خلاله أخيه “محمد وطفلته وزوجته”، بعد أن أخرجوا من تحت أنقاض منزلهم الذي تحوّل إلى ركام إثر الزلزال في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين شمال حلب والقريبة من الحدود السورية – التركية.
يحمل الشيخ المهجر منذ خمس سنوات من بلدة أورم الكبرى غربي حلب، “طفلة صغيرة” ويشير بأنها ليست ابنته، إنما هي ابنة أخيه “محمد”، ويقول: أسميناها فاطمة على اسم والدتها التي قضت هي الأخرى تحت الأنقاض.
يروي الشيخ (43 عاماً) في حوار مع “حلب اليوم” أن عدد أفراد أسرته أصبح منذ عام سبعة أشخاص بعد أن جاءت فاطمة لتصبح اليوم أخت أطفاله بالرضاعة، فلحسن الحظ كانت زوجته ترضع طفلهما أغيد والذي يكبر فاطمة بـ 4 أشهر فقط.
ويقول: كان خروج فاطمة من تحت الأنقاض أشبه بالمعجزة، ولم نتوقع أن تبقى على قيد الحياة، فقد كانت صرختها أشبه بعودة الروح إلى الجسد.
ويكاد يجمع كل من تحدث عن فجر السادس من شباط -الذي شهد وقوع زلزال مدمر بلغت شدته 7.7 درجات، وتبعه في ظهيرة اليوم نفسه زلزال آخر بشدّة 7.6 درجات، تبعتها آلاف الهزات الارتدادية العنيفة- بأنها الأشبه بأهوال قيام الساعة، لما حملته من رعب وهزات قويّة أدّت إلى انهيار أبنية بكاملها على رؤوس قاطنيها.
وتشير إحصائيات فريق منسقو الاستجابة الصادرة في 27 نيسان/أبريل من العام الماضي إلى مقتل 4.256 مدني شمال غربي سوريا، وإصابة 11.774 آخرين، فيما بلغ عدد المفقودين نتيجة الزلزال 67 مدني، و تجاوز عدد ضحايا العاملين الإنسانيين والكوادر العاملة ضمن المؤسسات 255 شخصاً.
ولم يقتصر الزلزال على شمال سوريا فقط، إذ كان مركزه الرئيسي في ولاية كهرمان مرعش التركية، كما أنه أثّر على عشر ولايات بتركيا، وأدّى إلى وفاة أكثر من خمسين ألف شخص، وإصابة نحو من 100 ألف آخرين، وفق لبيانات المكتب الإقليمي للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
عقارب الساعة متوقفة
يجمع من تحدثنا معهم أن عقارب الساعة متوقفة، منذ فجر الـ6 من شباط 2023، ويرجع مؤنس العاصي (45 عاماً) السبب إلى أن بصمات الزلزال لا تزال حاضرة رغم مضي عام كامل لحدوثه، فقد سُوّيت كارثة العام أبنية كاملة بالأرض وانهارت أخرى جزئياً.
وعلى إثر المشاهد التي رأيناها بالعين المجردة وعدسات الكاميرات في تلك اللحظات؛ توقفت الحياة عند تلك الساعات المؤلمة، ويَذكر “العاصي” الذي يسكن بلدة عزمارين شمال إدلب، أن الزلزال أجبر آلاف العائلات للسكن داخل خيام قماشية وبلاستيكية وبشكل عشوائي، ومن كانوا أكثر حظاً انتقلوا الى مخيمات تضم غرفا مبنية من الاسمنت بتبرعات خارجية.
تتجول الشابة “رهام العبد الله” (14 عاماً)، في أزقة جنديرس شمال حلب، ولكنها على كرسي رمادي اللون بعد أن تعرضت للشلل الكلي، وتزور اليوم منزلها، حيث تركت ذكرياتها تحت الأنقاض، برفقة أخويها وجدتها، وتعبر عن أملها في إعادة الحياة لمنزلها الذي تدمّر بالكامل في جنديرس، وتقول: ليت جدتي وأخوتي الإثنين “فراس وعز الله” بقيا معي يلعبان، كنت أحبهما فهما كانا أصغر مني سناً.
وتؤكد رهام لـ”حلب اليوم” بصوتها الحزين، أنها بقيت 35 ساعة تحت الركام وتقول: “لقد كان الصوت مخيفاً جداً، فالبناء سقط كاملاً على الأرض ولم يبق منه شيء”.
أمّا يزن صادق (13 عاماً)، والذي ارتسمت على وجهه ملامح الحزن، فقد أصيبت يده بمتلازمة الهرس، وفقد والديه ويعيش اليوم عند شقيقه في إدلب، ويقول: “رغم أن يدي لم تتعرض للبتر، بفضل الله، لكنها تحتاج لتدخّل جراحي وعلاج”، مؤكداً أنه لا يقوى اليوم على تحمّل كلفة العملية، فبالكاد يجني دخله الشهري المتواضع مع ما تمر به المنطقة من ارتفاع الأسعار.
وتحصل متلازمة الهرس عند تعرّض الأطراف لضغط لفترة طويلة، ما يؤدي إلى انقطاع الدورة الدموية عن الأنسجة.
يقول يزن الذي نزح من جنديرس إلى إدلب منذ قرابة العام لـ”حلب اليوم”: خرجنا أحياءً من تحت الأنقاض، لكننا فقدنا أحبابنا وجيراننا لقد مر اليوم عام كامل على يوم الفراق ومنذ ذلك الوقت توقفت الحياة؛ فالحي مدمر وكرة قدم الشارع تفتقد لصرخات وحضور أبناء جيراننا الذين قضى معظمهم ومن بقي توزع هنا وهناك.
ولا يختلف الأمر أيضاً عند الشاب “براء مرعي ( 15 عاماً)، الذي فقد إحدى ساقيه، ويمشي اليوم بساقٍ اصطناعية وأيضا يجد نفسه وحيداً دون أصحابه الذين كان يلعب معهم في ملعب كرة القدم.
يقول مرعي المهجر من بلدة عينجارة لـ”حلب اليوم”: ما عاد فيني أركل الطابة ، فأنا أكتفي اليوم بالتفرج على الناجين، والتشجيع، الحياة مستمرة رغم أنها توقفت عند فجر 6 شباط”.
العجز أمام إنقاذ من تبقى
اختلف حجم دمار الزلزال من مدينة إلى أخرى شمال سوريا، وكانت مدن “جنديرس والأتارب” بريف حلب، و”بسنيا” غربي إدلب، الأكثر عدداً بالضحايا والأكبر حجماً بالخراب، وسجلت ما يزيد عن 1000 حالة وفاة وأكثر من 3000 مصاب، بالإضافة إلى قرى “عزمارين وسرمدا والدانا وحارم وسلقين” بريف إدلب، والتي قتل فيها عائلات بأكملها.
تلك الليلة بات مئات الناجين الذين استطاعوا الفرار من منزلهم قبيل سقوطه، نائم بجانب أكوام منزله تحت زخات الأمطار والبرد الشديد، بانتظار أن تصلهم فرق الإنقاذ التي عجزت أمام هول الكارثة، لإخراج من تبقى من عائلاتهم عالقاً تحت الركام.
يقول أحد الناجين المدعو عبدالرحيم سواده لـ حلب اليوم إن ولدي “أحمد” توفي مع زوجته التي وضعت طفلها قبل يوم واحد من الزلزال، وحماته وأطفاله السبعة داخل منزلهم، بعد تلك الليلة لم أنم لثلاث ليالٍ ولم أتناول الطعام حتى، بعد أن أخرجت فرق الدفاع المدني خمسة أحفاد وبقي اثنين عالقين تحت الأنقاض لا نعرف ما هو مصيرهم، ويقول متنهداً: “شعرت وقتها أني في كابوس لم ينته أثره بعد”.
ينامون في أراضٍ غير مجهزة
بعد أن تدمرت الأبنية وسويّت على الأرض التجأ العديد من الناجين إلى منازل أصدقائهم وأقاربهم في مناطق أقل ضرراً، ولكن أكثر العائلات افترشت الطرقات ليومين متتالين، ريثما أنشأت المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية مراكزٍ للإيواء، فيما حوّل آخرون حافلاتهم إلى ملاذٍ آمنٍ لهم بعدما تمكنوا من الفرار من المناطق المكتظة التي كانوا يقيمون فيها واستطاعوا الوصول إلى الأراضي الزراعية والساحات الفارغة البعيدة عن المباني، وظلوا ماكثين بداخلها لأكثر من أسبوع كامل من أثر الصدمة.
حجم الكارثة أجبر الدفاع المدني السوري، في اليوم الثالث لإطلاق نداء عاجل إلى الأمم المتحدة بضرورة تأمين مساعدات عاجلة لإغاثة منكوبي الزلزال، ولفت أن كل ساعة تأخير تكلّف أكثر من 50 وفاة، واعتبر وقتها الدفاع المدني أن الأمم المتحدة لم تكن بمستوى الحدث، ولم تقدم المساعدات اللازمة للمتضررين شمال غربي سوريا، وخاصّة أن مشافي شمال سوريا لم تعد تستوعب الإصابات وقتها.
تعاضد السوريين
أبرز ما ميّز حادثة الزلزال أنه كشف حقيقة تعاضد السوريين بين بعضهم، كما أظهر حقيقة ما تخفيه قلوبهم أثناء الكوارث والأزمات، إذ خرج كثيرون في مهمات مساعدة لفرق الإنقاذ في انتشال العالقين بكل ما أوتوا من استطاعة، قبل أن يختنقوا تحت ركام منزلهم، أو يموتوا برداً في ظل الحالة الجويٍّة الباردة التي كانت تُخيم على الشمال السوري، فمنهم من فتح منزله السليم لإيواء المتضررين والهاربين من منازلهم، ومنهم من مد يد العون لإغاثة هؤلاء الهاربين بمنحهم الطعام واللباس ووسائل التدفئة البدائية من “غاز ومدافئ”، وأغطية.
وبعد أن بدا مظهر انتشار الأهالي الذين يفترشون الساحات العامة والأراضي الزراعية ومنهم داخل سيارته مع عائلته في أمكنة بعيدة كل البعد عن الأبنية السكنية، أقدم العقلاء في كل مدينة وبلدة وقرية في الشمال السوري بالتوجه إلى المساجد وطلب نجدة المتضررين والأهالي الذين يفترشون الأراضي، ليُلبى هذا النداء ويقوم الأهالي بتقديم ما استطاعوا لإنقاذهم.
وفقاً لمراسل حلب اليوم في مدينة الأتارب غربي حلب، فإن أهالي المدينة تبرعوا في اليوم الأول للكارثة في الجامع بنحو “750 دولار أمريكي وقرابة 25 ألف ليرة تركية”، بالإضافة إلى بطانيات واسفنجات وطعام من منازلهم، وفي بلدة الجينة غربي حلب، جمع مسجد القرية من الأهالي مبلغاً قدره 20 ألف دولار أمريكي وعشرات آلاف الليرات التركية قدرت بـ30 ألف ليرة”.
ويؤكد أن التعاضد لم يتوقف على جمع الأموال، بل عمد تجار أغذية و مقتدرون على تنفيذ خطة عمل وإنقاذ واستجابة طارئة في المدن المتضرّرة من الزلزال، تضمنت تكاتف عمالهم والمتطوعين معهم، على توزيع تبرعات وفق الاحتياجات المطلوبة (دواء، حليب، فرش، ملابس، وغيرها من الاحتياجات).
وطرح مبادرة آخرى في تلك الأثناء، أنه في ظل قلة آليات الدفاع المدني المختصّة برفع الأنقاض من تركسات ورافعات أمام حجم الكارثة، تقدم العديد من “متعهدي أبنية” في المنطقة، ممّن يملكون آليات ثقيلة ورافعات بتشغيل آلياتهم بالمجان لمساعدة الدفاع المدني السوري في انتشال العالقين والتوجه إلى النقاط المتضررة.
لا أكفان.. بالدموع فقط
مع تزايد أعداد الضحايا في الساعات التي تلت الزلزال غابت إمكانية مواراة الضحايا بالطريقة الاعتيادية التي اعتاد عليها السوريون، ودفن معظم ضحايا الزلزال بالهيئة التي تمّ إخراجهم بها من تحت الأنقاض، دون غسيل ولا كفن ولا حتى وداع.
يقول الناشط اﻹعلامي “علي عبيد” العامل في مكتب الأتارب الإعلامي لـ”حلب اليوم”، في الأيام الثلاثة الأولى للزلزال كانت تأتي سيارة الموتى وتفرغ جثامين الضحايا في أرضٍ زراعية خصبة وعلى الجانب الآخر تتعالى صيحات وصرخات ذوي المتوفين، في تلك اللحظات كان الدفاع المدني حفر مئات الحفر لتسهيل عملية الدفن خوفاً من تأخر دفنهم.
كانت تتركز عمليات الحفر وفقاً لـ “عبيد” في أرضٍ زراعية لذوي الضحايا بمحيط المدينة خصّصت حينها مقبرة جديدة لضحايا الزلزال، بهدف السرعة وكثرة أعداد الضحايا ومتابعة العمل دون عائق.
يروي الشاب “محمد طلحة” لـ “حلب اليوم” وهو نازح من بلدة عينجارة إلى مدينة جنديرس، أن اليوم السابع من شباط العام الماضي (اليوم الثاني للزلزال)، شهدت المدينة صلاة على أكبر عددٍ من الضحايا، إذ وقف مئات المصلين بعد صلاة الظهر أمام باب المسجد، ودخل شبان يحملون أكفاناً وألواح خشبية وعليها جثث قدرت وقتها بـ45 شخصاً، ليتم رصفهم بجانب بعضها البعض على الأرض مقابل الإمام”.
ويكمل القول ودموعه تذرف على خده: بدأ الإمام بتأدية صلاة الجنازة، وبعد انتهائها بدأ الإمام بالدعاء، ليرفع المصلون أيديهم إلى السماء ويقولون: يا الله!!.. ووسط هذا المشهد المهيب، بدأت النساء خلفنا بالبكاء من شدة الألم.. وزاد قوله: ذلك المشهد لا أنساه ما حييت وأشعر بالبرد وأبدأ بالارتجاف كلما أتذكره.
وأنهى عبيد حديثه مع “حلب اليوم” بالتأكيد على أن زلزال العام الماضي، خلق أشكالا مختلفة من الاضطرابات على أهالي الشمال السوري رافقتهم إلى اليوم وأبرزها الخوف من الأبنية لمن كان حاضراً خلال لحظات الزلزال، بالإضافة لاضطرابات نفسية لدى الأطفال والنساء.
مظاهر جيولوجية لم تفهم
لم يُلقي غضب الزلزال على السكان والأبنية فقط، فقد تسبب وقوعه أيضاً إلى حدوث تشققات بالأراضي الزراعية على أطراف نهر العاصي بريف إدلب الغربي، كما أدّى إلى انهيارات عدّة في التربة خلّفت فجوات بأحجام مختلفة، بالإضافة إلى انبعاثات رملية من باطن الأرض.
ويؤكد الجيوفيزيائي “علي الشاهر” في حديث مسبق لـ”حلب اليوم” أن التربة في شمال وغربي محافظة إدلب انزاحت في أراضٍ زراعية متفرقة وكان أكثرها في مدينة دركوش الواقعة على ضفتي النهر، حيث ظهرت شقوق في الأراضي المجاورة للنهر بعرض مترين إلى ثلاثة، وبعمق من ثلاثة إلى أربعة أمتار، كما خرجت من باطن الأرض رمال سوداء على شكل فقاعات تشبه البركان.
وإلى اليوم، يعيش أصحاب هذه الأراضي التي كانت مليئة بالأشجار المثمرة ‘أزمة حقيقة”، في ظل غياب المنظمات الدولية والمؤسسات التي من شأنها أن تتكفل استصلاح أراضيهم.
مخلّفات الزلزال على شمال سوريا
في آخر حصيلة لفريق منسقو استجابة والتي وصفها بالنهائية، فقد تم تسجيل أضرارا ضمن 433 من المنشآت التعليمية -مدارس مختلف الفئات-، وتراوحت بين أضرار جزئية وتهدم جزئي وأضرار متوسطة، إضافة إلى أضرار ضمن 73 من منشآت القطاع الصحي تراوحت بين أضرار جزئية وأضرار متوسطة، فيما سجلت أضرارا ضمن 136 وحدة سكنية وتراوحت الأضرار بين الخفيفة والمتوسطة.
وبلغ عدد دور العبادة المتضررة منذ الزلزال والموثقة لدى الفريق 83 دار، بينما بلغ عدد خزانات المياه العالية المتضررة 13 خزانا، إضافة لتسجيل أضرار ضمن 94 منشآة اخرى.
وكشف الفريق أيضاً عن عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري حيث بلغ عددها 2.171، فيما بلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 5.344 مبنى، “أضرار جسيمة، مباني مطلوب هدمها بشكل عاجل”.
وذكر التقرير أن عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 14.844 مبنى أضرارها متوسطة، وعدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة 23.738 مبنى أضرارها خفيفة، بينما بلغ عدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال 214 مبنى.
وأضاف أن الخسائر الاقتصادية التي تم توثيقها بلغت قيمتها 1.95 مليار دولار أمريكي وتشمل “القطاع العام، والقطاع الخاص، ومنشآت أخرى، وفقدت أكثر من 13,643 عائلة مصادر دخلها نتيجة الزلزال الأخير الذي تعرضت له المنطقة.
وبالانتقال إلى نسبة الاستجابة الإنسانية، قالت المنظمة إن عدد الشاحنات والقوافل الإنسانية الواردة عبر المعابر الحدودية منذ حدوث الزلزال في المنطقة بلغ 3452 شاحنة، وتشكل المساعدات الأممية منها 36.04 بالمئة أي ما يعادل 1244 شاحنة فقط، مشيرة إلى أن نسبة الاستجابة الإنسانية منذ حادثة الزلزال بلغت 39.78 بالمئة لكافة القطاعات الإنسانية، ونسبة الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال بلغت 24.56 بالمئة.
لم تكن أحداث الزلزال متفرّدة بالمدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، بل أطفأ الزلزال نور صحفي لقناة “حلب اليوم” كانت يُضيئ سماء مكتبها في اعزاز، كما لم يكن فريق المراسلين في الداخل السوري بمعزل عن ما حدث.
خسرت القناة في كارثة الزلزال واحد من أقدم كوادرها وهو الصحفي “أحمد أبو موسى” وقضى في كهرمان مرعش شهيدا تحت ركام أحد الأبنية المتضررة عندما كان في زيارة أقاربه.

ووقعت أضرار في المكتبين وفي منازل عدد من الصحفيين والعاملين في القناة، فيما أجبر الزلزالان وما تبعهما من هزات ارتدادية، بعضهم على مغادرة غازي عنتاب إلى ولايات أخرى، وانتقل الفريق بمجمله إلى العمل عن بعد.
أسفرت الأضرار التي خلّفها الزلزال على مكتب حلب اليوم في اعزاز، إلى توقف البث الاعتيادي لبرامج القناة على الشاشة، حيث كان يتم نشر ما ينتج من مواد فور استلامها على الشاشة دون التقيد بالجدول الأسبوعي، فيما استمر النشر على المنصات الإلكترونية لمواكبة الحدث والاستجابة لكارثة الزلزال رغم الضغوط النفسية والمعيشية التي يعاني منها الموظفون، خاصة وأن معظم الفريق كان ما زال يمضي تلك الأيام في الشارع أو في مراكز الإيواء.

يستذكر الزميل الصحفي في قناة حلب اليوم “أحمد سرحيل” تلك الفترة قائلا: “كنت نائما عندما حصل الزلزال واستيقظت على أصوات التكبير، لبست طرفي الصناعي وخرجت مع زوجتي و أولادي من المبنى، ثم اتصلت للاطمئنان على والدي وأخوتي، ثم توجهت إلى الحديقة، مع بقية الناس، وبينما بقيت زوجتي وأولادي في سيارة جاري، بدأت بالتصوير لمشاركة الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الإنترنت في ذلك الوقت لم يساعدني، واستطعت بعد أربعين دقيقة من الزلزال من رفع بعض الصور فقط دون الفيديوهات”.
وفي الساعة العاشرة صباحا عدت وأسرتي للمنزل وبدأت بالعمل على الكمبيوتر، بينما استغرقت بقية العائلة في النوم والجميع على أهبة الاستعداد في حال حصول أية هزة أرضية جديدة، وبقينا في المنزل حتى حصل الزلزال الثاني، حينها هربنا من المنزل وأمضينا بقية اليوم في مراكز الإيواء ثم عدنا إلى المنزل، لنهرب منه حين حدوث هزات والعودة إليه لاحقا، إلى أن أتى أخي من بورصة وخرجنا جميعا من غازي عنتاب، وبقيت مستمرا في عملي بنشر الفيديوهات المؤثرة والأخبار المهمة، طبعا رغم كل ما مر، كان ما يدفعني للعمل هو واجبي الإنساني والمهني وإحساسي بالمسؤولية تجاه أهلنا في سوريا وتركيا.
وفي الأيام اللاحقة للزلزال، تحول البث التلفزيوني لقناة حلب اليوم إلى التجاوب مع الزلزال وبث المواد المنتجة مباشرة على الشاشة بدون التقيد بالجدول المعتاد.
كما تم إعطاء الأولوية في الأسبوع الأول للحاجات الإنسانية والطارئة ضمن الاستجابة للزلزال كالإعلان عن الحاجة للتبرع بالدم، او وجود عالقين تحت الأنقاض أو نقص الآليات والمعدات في موقع ما، كما واستطاع فريق المراسلين والبرامج في داخل سوريا من تصوير تغطيات ميدانية من مواقع الحدث داخل سوريا مثل جنديرس واعزاز والمعابر وقرية التلول وغيرها.
وقد كان لحلب اليوم أهمية خاصة في تقديم المعلومات الصحيحة والضرورية لاستمرار حياة الناس، وفي مواجهة الشائعات والخرافات والمعلومات المغلوطة التي تجد في حالة ضعف الناس بيئة خصبة للانتشار.
في الوقت ذاته، عملت إدارة حلب اليوم على تقييم الحالة الفنية للمكتب في اعزاز من قبل نقابة المهندسين والمباشرة فورا بإصلاح المكتب من أجل ضمان استمرار العمل فيه، وقامت بطلب تقييم المكتب من نقابة المهندسين بعد تنفيذ التعديلات والإصلاحات المطلوبة.