عمر حاج حسين
تشهد منطقة إدلب الممتدة من جبل التركمان بريف اللاذقية إلى مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، تصعيداً عسكرياً من قبل سلطة الأسد والمليشيات المساندة له، منذ منتصف شهر كانون الأول الجاري، خلّف شهداء وجرحى في صفوف المدنيين، وسط تخوف من انهيار محتمل لاتفاقيات خفض التصعيد، المبرمة بين الأطراف الضامنة “روسيا – تركيا – إيران”.
وحسب مراسلي حلب اليوم بريف حلب وإدلب شمال غربي سوريا، فإن خطوط التماس الممتدة على طول منطقة إدلب، تشهد اشتباكات متقطعة بشكل شبه يومي، كما تترافق مع قصف مدفعي وصاروخي مكثّف لقوات “سلطة الأسد” يستهدف خطوط التماس والقرى القريبة منها.
يؤكد مراسل حلب اليوم في إدلب، أن أحدث اعتداء لقوات “سلطة الأسد”، سجّل ظهر اليوم الثلاثاء 19 كانون الأول، إذ قصفت طائرات حربية روسية محيط قرية القنيطرة الواقعة غربي مركز مدينة إدلب، ترافقت مع قصف مدفعي وصاروخي لقوات الأسد على قرى جبل الزاوية وريف حلب الغربي.
وأوضح أن القصف سبقه بساعات، وتحديداً مساء الأحد الماضي، قصف مدفعي لسلطة الأسد استهدف مدينة دارة عزة غربي حلب، أسفر عن مقتل 6 مدنيين وإصابة آخرين، بالإضافة لمقتل مدنيين إثنين في بلدة الأبزمو غربي حلب جرّاء قصف مدفعي مماثل.
ما وراء التصعيد؟
يرى المحلل السياسي “أحمد مظهر سعدو” أن انتهاكات الاتفاق البروتوكولي الموقع في الخامس من آذار 2020 بين تركيا وروسيا لم يتوقف إلى اليوم، ومنذ تلك اللحظة وحتى الساعة كانت انتهاكات الاتفاق متحركة ومتدحرجة.
وأوضح “سعدو” خلال حديثه مع “حلب اليوم” أن ما يجري اليوم في شمال غربي سوريا هو بمثابة تصعيد أكثر عنفاً وأوسع بشكل يجعل المرء يتساءل لماذا، والواقع يقول إن الروس ومعهم إيران وسلطة الأسد يريدون اقتناص الفرص في ظل الهجوم الإجرامي الإسرائيلي والحرب الشعواء على شعب غزة وانشغال الأمريكان والغرب وكذلك تركيا بما يدور من رحى حرب ضروس في فلسطين.
وأشار إلى أن روسيا لن تضيع الوقت في هذا الانشغال، منوّهاً أن الروسي هم أكثر الأطراف من يمكنهم استغلال هذه الانشغالات.
وبحسب سعدو فإن هنالك تفاهمات جديدة تجري تحت الطاولة بين روسيا وإيران في هذه الآونة لصالح تمكين الإيرانيين بشكل أكثر وأوسع، في جل الجغرافيا السورية بينما تغيب مسارات أستانة غياباً شبه كلي.
ونوّه أن التصعيد ضد أهل إدلب والشمال السوري، تحاول فيه قوات الأسد فيما لو استطاعت ذلك قضم المزيد من الأراضي لتضيفها إلى ما تم قضمه، كما كان خلال أعوام 2018 و2019 و2020، في ريف حماة ومعرة النعمان وخان شيخون وسراقب.
من جهته، اعتبر المحلل العسكري “أحمد رحال” في حديث مع “حلب اليوم”، أن التصعيد التي تشهده منطقة إدلب ليس وليد الأيام القليلة الماضية، بل إنه مستمر منذ هجوم الكلية الحربية.
ولفت أن عدم توقف القصف على شمال غربي سوريا من قبل قوات الأسد وروسيا سببه الأبرز هو عدم ردّ الفصائل في إدلب على مصادر النيران، والني من شأنها إسكات مدافع الأسد.
إدلب وغزة.. المجرم واحد!
ولكن الباحث التاريخي والمحلل العسكري “تركي مصطفى” رأى أن التصعيد العسكري المستمر لسلطة الأسد ضد المدنيين السوريين سواء في إدلب أو باقي المناطق السورية، ما هي إلا تأكيدات من الأسد، لإظهار بصمته الإجرامية على السوريين والتأكيد عليها.
واعتبر أن مهنة القتل التي تتبعها سلطة الأسد في سوريا ليست جديدة، فالأسد الأب صاحب نظرية إعادة تشكيل سوريا على مقاس العائلة والتي تبناها رسمياً عام 1970، بالقضاء المبرم على الحياة السياسية السورية والقتل الجماعي حتى أباد مدنا وقرى بأكملها، واحتل بجيشه كامل الجغرافية السورية.
ولفت إلى رأس سلطة الأسد “بشار” هو أساساً يتعامل مع ثورة الشعب السوري وفق تصورات الحلفاء التي رسموها في الغرف المغلقة في طهران وموسكو وتل أبيب وبالطبع في القيادة المركزية الأميركية في الشرق.
واعتبر أن إتقان المجازر والإبادة الجماعية في إدلب هي شبيهة إلى حد ما وإن كانت بدرجة أقل بما تفعله إسرائيل في غزة اليوم، وبما فعلته ألمانيا في أدغال إفريقيا وفي ألمانيا ذاتها ضد اليهود، وفرنسا في الجزائر، وروسيا في كل مكان وطأته أقدام عسكرها.
من هذا الاستعراض التاريخي، وفق قوله، ندرك أن ما يجري في سورية اليوم هو تراكم خبرات دولية تتصدرها بالنيابة عن الدول مجتمعة، إيران في إتقان تنفيذ المجازر والإبادة الجماعية، مع تأييد دولي مباشر لآلة القتل المستمرة للشعب السوري.
وبخصوص تركيز قصف سلطة الأسد منطقة إدلب، أجاب: “لا أعتقد أن أحدا بإمكانه الإجابة عن هذا السؤال أكثر من السوريين أنفسهم، ذلك أن الفلسطينيين هم ذاتهم السوريين، وبشار الأسد هو النسخة الحقيقية لنتنياهو، وما سوى ذلك ذرائع لا ترقى للحقيقة الماثلة أمام أعين الجميع”.
وكان وصف الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) القصف على شمال غربي سوريا بـ”الخطير”، وأنه يُهدّد أرواح السكان ويفرض حالة من عدم الاستقرار ويجبرهم على النزوح في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية مع دخول فصل الشتاء وتتراجع الاستجابة لاحتياجات السكان.
ويؤكد فريق “منسقو استجابة سوريا” أن مئات الآلاف من المدنيين في مدينة إدلب ومحيطها مهددون بالنزوح إلى المجهول بسبب تركيز قوات الأسد على استهداف المدينة.
وكان طالب الفريق عبر بيان له يوم الأحد الماضي، بوقف عمليات الاعتداء المتكررة على السكان المدنيين بشكل فوري والاستهداف الممنهج للمناطق السكنية بشكل عام، كما وحذّر كافة الجهات من الاقتراب أو توسيع نقاط القصف في كافة المناطق كونها تصنف ضمن جرائم الحرب.
والأسبوع الماضي استهدفت قوات الأسد بالصواريخ مركز مدينة إدلب، ما أسفر وقتئذٍ عن إصابة 15 مدنياً بينهم 5 أطفال وسيدة.