أكملت القوات الروسية عامها الثامن في سوريا، بحصيلة ثقيلة من الجرائم والانتهاكات، ومكتسبات سياسية واقتصادية، وسط حالة هشّة في ساحة مليئة بالتناقضات، وعلاقات تجمع بين التنافس والتعاون مع اﻹيرانيين، وبين التنسيق والعداء مع اﻷمريكيين، وعلاقات أخرى أكثر تعقيداً مع الجانب التركي.
بدأ تدخل القوات الروسية بشكل مباشر بسوريا في 30/ أيلول/ 2015، حيث شنّت المقاتلات الروسية أولى غاراتها وسط البلاد، عندما كانت قوات اﻷسد ممزّقة ومشتتة وبعضها محاصر، واحتاج الروس لسنوات عديدة والكثير جداً من الغارات والقصف والضغوط السياسية حتى يمنعوا سقوط اﻷسد، بعد أن باتت فصائل المعارضة العسكرية قريبةً من قصره.
وبعد فشل محاولاتها على مدى عام كامل في إعادة هيكلة جيش اﻷسد الذي نخره الفساد، قررت في 2016 إنشاء ميليشيات خاصة بها لتكون رأس حربة في اﻷرض السورية، وتخلق حالة من التوازن مع إيران.
وأمام هذا الوضع دفعت روسيا بالعديد من قواتها في سوريا، بسبب الخوف من تراجع وانهيار اﻷسد عسكريا، وقد وصل عدد القوات الروسية في سوريا حسب (تقديرات خاصة)، إلى 13 ألف من بينها الألوية (16 بحري – 336 بحري- 810 التابعين لأسطول البحر الأسود- اللواء 45 كوماندوس محمول جواً وهو من لواء القوات السهلية – الشرطة العسكرية الروسية – الكتيبة الفنية للقاعدة الجوية الروسية – القوات الصاروخية الاستراتيجية). (انظر المصدر)
وبات عدد عناصر الميليشيات أكبر من عدد عناصر قواتِ اﻷسد “النظامية” حيث تمّ تقديرهم في سنة 2018 ما بين 20 ألف و25 ألف جندي وضابط، في حين أن الميليشيات المختلفة ضمّت ما بين 150 ألف و200 ألف عنصر.
ما الذي حققته روسيا حتى اليوم في سوريا؟
قال الناشط السياسي، عبد الكريم العمر، في حديث خاص لـ “حلب اليوم”، إن التدخل الروسي في سوريا حقّق “نصراً جزئياً” لسلطة الأسد، مشيراً إلى أن هدف موسكو من هذا التدخل عام 2015 كان القضاء على المعارضة السورية بشكلٍ كامل، رغم أنها شاركت في الحرب بقوة في حلب واللاذقية وغيرهما.
وبحجة “القضاء على تنظيم الدولة”، قصف الروس مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري الحر حينها، ولم تستهدف الطائرات الحربية مقرات التنظيم – وفقاً للعمر – كما أن موسكو لم تُحقّق أي حل سياسي لصالح سلطة الأسد في سوريا، رغم قوتها وترسانتها العسكرية.
في النهاية حظيت موسكو بموطئ قدم على شاطئ المتوسط و”بات اليوم الروس يسيطرون على المرافئ السورية الثلاثة طرطوس واللاذقية وبانياس”، وفقاً لما أدلى به المستشار والخبير الاقتصادي أسامة القاضي لـ”حلب اليوم”، حيث قال إن اﻷسد “لم تعد له علاقة بتلك المرافئ”، كما “وقع أكثر من 60 اتفاقية مع الروس شملت النفط والفوسفات، وكل اﻷصول السيادية فوق وتحت اﻷرض والبحر هي للروس”.
تنافس مع إيران على ما تبقى من سوريا
بحسب العديد من المراقبين فإن روسيا تخوض منافسة غير معلنة مع طهران في السيطرة على اﻷرض، عبر نشر الميليشيات التابعة لها، واستمالة عناصر من مختلف المجموعات المسلحة لخلق حالة من التوازن.
ونوّه “العمر” إلى أن روسيا حاولت أن تُنافس إيران في سوريا بالسيطرة على مفاصل سلطة الأسد (أجهزة الأمن والمخابرات)، وتمكنت من تحقيق جزئي في ذلك، معتبراً أن إنشاء قاعدة “حميميم” العسكرية في ريف اللاذقية يأتي في هذا اﻹطار.
ولم يُخفِ مسؤولون إيرانيون امتعاضهم من منح اﻷسد الامتيازات الكبيرة لروسيا، ومطالبة اﻷخير بدفع ثمن حمايته من السقوط، وذلك قبل أن تبادر إلى الاستحواذ على أصول سورية هامة.
حصيلة ثقيلة
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الثامن عن أبرز انتهاكات القوات الروسية، إن اﻷخيرة قتلت 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً، في عموم سوريا حتى اليوم.
كما وثّق التقرير وقوع 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمساجد والمخيمات ومراكز ضخ الماء، فيما صوّتت روسيا في جميع دورات مجلس حقوق الإنسان أي 21 مرة، ضد “كافة القرارات التي من شأنها أن تدين العنف والوحشية التي تتعامل بها سلطة اﻷسد مع مخالفيها، بل وحشدت الدول الحليفة لها مثل: الجزائر وفنزويلا وكوبا وغيرها للتصويت لصالحه”.
وقد شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 629حادثة، أي ما نسبته 51 % من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء، وسجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ عام 2015.
وكان لحجم العنف المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، حيث ساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّتها الميليشيات الإيرانية في تشريد قرابة 4.8 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة.
وأوردت الشبكة أن القوات الروسية ارتكبت ما لا يقل عن 360 مجزرة، كما شهد العام الأول لتدخلها الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52 % من الحصيلة الإجمالية)، فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 41 %) بين المحافظات السورية، تلتها إدلب (38%).
من جانبها قالت منظمة الدفاع المدني السوري إنها استجابت لأكثر من 12 ألف مدني بينهم 4 آلاف طفل، كانوا ضحايا التدخل الروسي في سوريا خلال ثمانية سنوات، في ظل صمت دولي، موقعةً 262 مجزرة ( كل هجوم منها خلف 5 قتلى وأكثر)، وكان ضحايا هذه المجازر 2775 قتيلاً مدنياً، بينهم و873 طفلاً و552 امرأة.