مرّ صيفٌ استثنائي على الشمال الغربي في سوريا، كحال الكثير من الدول والمناطق حول العالم، ما ترك آثاراً سلبيةً لا يزال السكان يعانون منها حتى اليوم، وتُضاف إلى قائمة المشاكل التي يعيشها “المحرَّر”.
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وشركاؤها، في مطلع شهر آب/آغسطس الماضي إن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر تموز /يوليو 2023 بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، وذكرت سامانثا بورغيس، نائبة مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للمفوضية الأوروبية، في مؤتمر صحفي أن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر تموز /يوليو 2023 كان “الأعلى على الإطلاق بالنسبة لأي شهر”.
واستناداً إلى تحليل البيانات المعروف باسم السجلات الوكيلة، والتي تشمل رواسب الكهوف، والكائنات المتكلسة، والشعاب المرجانية والأصداف، أشارت العالمة لدى خدمة كوبرنيكوس إلى أن العالم “لم يكن بهذا الدفء منذ 120 ألف عام”.
لم يغادر هذا الصيف بحرارته الكبيرة التي اجتاحت مناطق واسعة في تموز، إلا وقد ترك خلفه آثاراً سلبيةً في مختلف الدول والمناطق، ولكن الشمال السوري كان الحلقة اﻷضعف حيث لا يوجد غطاء اقتصادي أو حكومات قوية تساعد السكان في اجتياز تلك المحنة.
يقول “مطصفى. م” لـ”حلب اليوم” إنه توقع أن يموت عدد كبير من حشرات النحل التي يربيها في خلايا مصنوعة من الخشب شمال غربي إدلب، لكن لم يتوقع أن تبلغ خسائره ما يقرب من 40% من تعداد ما لديه.
ويضيف أن محاولات مربّي النحل في إدلب للحصول على تعويض من “حكومة اﻹنقاذ” لم تصل إلى نتيجة، فيما يعاني قطاع العسل أصلاً من صعوبات كبيرة، جراء انخفاض المساحات وضيق الخيارات بشأن المراعي واﻷمكنة المناسبة، فضلاً عن ضعف اﻹقبال جراء انخفاض مستويات الدخل بالنظر إلى سعر المادة المرتفع.
ولا يزال قطاع الدواجن يعاني حتى اليوم من ارتفاع اﻷسعار، بسبب تبعات القبة الحرارية التي شهدها شهر تموز، والحرارة المرتفعة أيضاً في آب، كما يقول “أبو محمد” المطلع على واقع المداجن في إدلب ومحيطها.
ويبلغ متوسط سعر “الصدر المشفى” نحو 75 ليرة تركية، ويقرب متوسط سعر طبق البيض من ذلك، وهو أعلى من المعدل، جراء انخفاض أعداد الطيور عقب ارتفاع درجات الحرارة.
وتحتاج المداجن في أوقات الحر إلى إجراءات استثنائية ومكلفة، مثل طلاء المستودعات بالكلس اﻷبيض وتبريدها بالماء واستخدام المكيفات الصحراوية، وكل ذلك لا ينفع إلا في الحدّ من الخسائر، إلا أن موجات الحر الاستثتائية في هذا العام كانت أكبر من أن تُقاوم، خاصة في المداجن الصغيرة وغير المجهزة لذلك.
ويوضح “أبو محمد” أن مربي الدواجن اضطروا إلى اﻹجراء المعهود في مثل هذه الحالات، وهو تخفيض اﻷسعار لتقليل عدد الطيور وبيع ما أمكن منها قبل نفوقها، وهو سبب النزول المؤقت والنسبي في اﻷسعار خلال الصيف، والذي سرعان ما أعقبه ارتفاع جراء انخفاض عدد الطيور.
ويؤكّد العديد من السكان في الشمال الغربي أن ارتفاع أسعار زيت الزيتون أخرجه من المادة اليومية لدى قطاع واسع، ويرى “محمد .س” صاحب متجر المواد الغذائية أن للحرارة العالية ارتباطاً بارتفاع سعر الزيت، حيث تسببت الحرائق التي نشبت منذ سنوات في أستراليا بقلة المعروض في السوق العالمية، وهو ما لم تظهر آثاره حتى هذا الصيف، فدرجات الحرارة المرتفعة “زادت الطين بلة”، مما رفع سعره عالمياً وبالتالي محلياً، ولكن اﻷمر يصب في صالح المزارعين في المقابل.
أما بالنسبة لارتفاع سعر اللحوم الحمراء فيرى “قاسم. ع” صاحب محل الجزارة في سوق مدينة إدلب أنه لا علاقة مباشرة بينه وبين حرارة الصيف، حيث تجاوز سعر كيلو لحم الخروف 270 ليرة تركية.
وأوضح أن انتعاش اﻷسعار يعود لقلة المعروض جراء انخفاض أسعار العلف النسبي، حيث فضّل المربون الاحتفاظ بالمواشي لزيادة اﻹنتاج مستغلين فرصة الانخفاض، مبيناً أن السعر الحالي ما يزال ضمن النطاق الطبيعي بالنظر إلى سعر الصرف.
كما لا يزال سوق الخضار والفواكه يعاني من ندرة وارتفاع في أسعار العديد من اﻷصناف، حيث تأثرت عموم المحاصيل سلباً وخصوصاً الخيار والفاصولياء والتين والبطيخ اﻷصفر والعنب.
ويحتاج الشمال الغربي إلى غطاء حكومي حقيقي لمواجهة اﻷعباء واﻷزمات المختلفة؛ خصوصاً قطاعات الزراعة وتربية الدواجن والمواشي، حيث يؤدي غياب الدعم إلى جعلها عرضة للاهتزاز جراء أي طارئ.