اتهم تحقيق أجرته شبكة “بي بي سي” البريطانية موقع “تيك توك” الصيني بالتسبب بآثار سلبية على المجتمعات، والمساهمة في نشر معلومات مزيفة وشائعات قد تؤدي إلى اضطرابات حقيقية.
وقال التحقيق الذي أعدته قناة “بي بي سي 3” إن هناك “إمكانية كبيرة لوجود علاقة بين محتوى تيك توك وبعض الأزمات في عالم الواقع”، حيث “يثير حالات جنون عبر الإنترنت تشجع على السلوك المعادي للمجتمع في العالم الحقيقي”.
وقال “موظفون سابقون في الشركة المشغلة للتطبيق” إن هذه المشكلة لم تُعالج خوفاً من التأثير سلباً على الوتيرة السريعة لنمو هذا التطبيق الذي يُعد واحداً من أهم وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، حيث “يظهر جنون تيك توك في المقابلات التي أُجريت مع هؤلاء الموظفين ومستخدمين للتطبيق وتحليل أجرته بي بي سي لبيانات تواصل اجتماعي على نطاق أوسع، وأدى التفاعل الكبير مع تلك القضايا إلى فوضى واضطرابات في الحياة اليومية”.
ويعتمد تيك توك – بحسب التحقيق – على استحواذ الموضوعات على قدر كبير من التفاعل لا يتناسب مع أهميتها، حيث أن لوغريتم وتصميم البرنامج “يؤدي إلى أن يشاهد المستخدمون مقاطع فيديو غير موصى بها لهم، ما يدفعهم إلى القيام بأشياء غير عادية في مقاطع الفيديو الخاصة بهم على المنصة”.
وأشارت الشبكة إلى عدة وقائع أثر فيها التطبيق الصيني “سلباً” مثل “التدخل في تحقيقات الشرطة في قضية نيكولا بولي في لانكشاير في المملكة المتحدة، وانتشار الاحتجاجات الطلابية وأعمال التخريب في المدارس في جميع أنحاء بريطانيا، وتصاعد أعمال الشغب في فرنسا، والتي انتشرت بكثافة غريبة وامتدت إلى مناطق غير متوقعة”.
ويشبه موظفون سابقون لدى تيك توك هذه النوبات الجنونية من التفاعل بـ “حرائق الغابات” ويشددون على أنها “خطيرة”، خاصة وأن جمهور تطبيق التواصل الاجتماعي أغلبهم من الشباب الذين من الممكن أن يتأثروا بسرعة بما يشاهدون من مقاطع فيديو.
وقال “متحدث باسم التطبيق” لبي بي سي إن “اللوغريتم المستخدم في التطبيق يستهدف دمج المجتمعات مع إعطاء الأولوية لسلامة المستخدمين”، مؤكدا أن الشركة توصي بأنواع مختلفة من المحتوى لإعاقة النماذج المتكررة وحذف “المعلومات المضللة” والحد من وصول مقاطع الفيديو التي تحتوي على معلومات لم يتم التحقق منها إلى أعداد كبيرة من المستخدمين.
وأكد موظفون سابقون في الشركة المشغلة للتطبيق أنالانتشار الواسع لقضايا معينة يحدث نتيجة للطريقة التي صمم بها تيك توك، إذ يشاهد المستخدمون في أغلب الأحيان المحتوى من خلال صفحة “لك” الخاصة بهم، وهي صفحة تحتوي على مقاطع الفيديو القصيرة التي يرشحها لك اللوغريتم المشغل للتطبيق من أجل جذب كل مستخدم على حدة.
و”كشف التحقيق أن هناك علاقة بين محتوى تيك توك وأعمال شغب في مدارس بريطانية وشوارع فرنسية، فعندما تنشر مقطع فيديو على تيك توك، سيظهر في صفحات “لك” لدى المستخدمين الذين يتوقع التطبيق أن تحوذ اهتمامهم، وذلك بدلاً من مجرد الترويج لما نشرت بين أصدقائك ومتابعيك كما هو الحال في شبكات تواصل اجتماعي أخرى، واعتمادا على مدى تفاعل المستخدمين مع هذا الفيديو، قد يقرر اللوغريتم نشره بين ملايين آخرين بسرعة كبيرة وعلى نطاق أوسع مقارنة بما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى”.
وأشار مسؤولون سابقون في التطبيق إلى أنه بينما يميل المستخدمون لأغلب وسائل التواصل الاجتماعي إلى استهلاك المحتوى فقط، يصنع مستخدمو تيك توك محتوى مصور من إنتاجهم وينشرونها عبر التطبيق.
وتعتبر إعادة نشر المقاطع من أهم “الأولويات” لتطبيق تيك توك، وفقا لمذكرة داخلية ترجع إلى عام 2021، والتي كشف عنها كريس ستوكل ووكر في كتابه “تيك توك بووم”، وقال ووكر لبي بي سي إن الشركة تريد تحقيق “الاستثمار الأمثل” لمستخدمي التطبيق.
يرى جاك شوالتر، الذي يطلق عليه بعض مستخدمي تيك توك لقب “الرجل ذو القلنسوة” – المتهم بالتورط في عمليات القتل في أيداهو، والذي ساهم تيك توك في نشر الشائعات حوله – أن إعادة نشر المحتوى على هذا التطبيق مرعبة، فيما قالت شقيقته إن “هناك الكثير من الضحايا الزائفين الذين تم تخليقهم باستخدام مقاطع الفيديو التجسسية الموجودة على الإنترنت”.
وقطعت أوليفيا، إحدى مستخدمات تيك توك، آلاف الأميال من منزلها في فلوريدا على متن طائرة في رحلة استمرت لست ساعات لتصور مقاطع في موقع الحادث لمدة أسبوع، حيث وصل عدد مشاهدات أحد مقاطع الفيديو التي صورتها إلى حوالي 20 مليون مشاهدة.
وقالت إنها “شعرت بالحاجة إلى الخروج والبحث عن إجابات ومعرفة ما إذا كان بإمكانها المساعدة بأي شكل من الأشكال”، مضيفةً أن “محتوى تيك توك الذي تنتجه ينتشر بشكل أفضل عندما تسافر إلى موقع الحادث”.
وأضافت صانعة المحتوى على التطبيق المشهور أن المستويات المرتفعة من التفاعل على تيك توك حول قضايا مثل جرائم القتل في أيداهو تشجع المستخدمين على صناعة مقاطع فيديو، مؤكدة أنه “يمكن أن يحقق مقطع فيديو واحد على تيك توك ملايين المشاهدات مقارنة بالمشاهدات التي قد يحققها نفس الفيديو على موقع التواصل الاجتماعي إنستاغرام حيث يمكن أن يشغل مثل هذا الفيديو حوالي 200 مرة فقط، وهذا هو ما يفعله لوغريتم تيك توك”.
وقال متحدث باسم تيك توك لبي بي سي إن المستخدمين “بطبيعة الحال” أبدوا اهتماما أكبر بالقصص التي تظهر في “أوقات انشغال الرأي العام الوطني بقضايا معينة، وهو ما تتسارع وتيرته بسبب التقارير الإخبارية التي تظهر على مدار 24 ساعة”.
وقال أحد الموظفين والذي كان يعمل في إستراتيجية البيانات وتحليلها في الشركة، إن تيك توك لم يكن مصمماً ليكون أكثر من مجرد تطبيق لجنون الرقص، “لكنه حقق نمواً سريعاً لدرجة أنهم لم يتمكنوا من مواكبة ما يؤول إليه هذا التطبيق أو حتى التنبؤ بذلك”.
وأضاف: “لكن فيما يتعلق بالمحتوى الخطير، على الأقل لم أسمع عن أي محاولة للحد منه بشكل استباقي قبل أن يزداد خطره، بصفة عامة، إنهم لا يريدون ذلك، ولا يريدون الوقوف في طريق الترفيه الذي ينمو بسرعة عالية عبر منصتهم”.