كشف تقرير عن وجود العديد من علامات الاستفهام والغموض حول الجهة التي يتم بيع مقتنيات “رفعت اﻷسد” لصالحها في مزاد علني، مؤكداً أن اﻷموال التي تُقدّر قيمتها بملايين الدولارات والتي سيتم جنيها من العملية، قد تعود في نهاية المطاف إلى عائلة اﻷسد.
وسلّط موقع “ميدل إيست آي” الضوء على المعرض المقام في الطابق الأول من فندق Drouot في باريس، أكبر سوق للفنون في فرنسا، حيث يتوافد “تجار الفن المتحمسون” إلى مزاد علني مهم، وتقوم شركة Ader الفرنسية للمزادات ببيع المقنيات فيه لصالح “جهة مجهولة”.
وتم وضع 536 قطعة فاخرة، بما في ذلك الأرائك والطاولات واللوحات والثُّريات وأطقم العشاء المصنوعة من البورسلين والسجاد، في أربع غرف، معروضة للبيع على مدار يومين.
وجاءت تلك المقتنيات من منزل كبير في “أفينيو فوش”، المنطقة الفخمة في غرب باريس، وهو القصر السابق لعم “بشار الأسد” البالغ من العمر 85 عاماً، والذي كان قد غادر فرنسا عائداً إلى سوريا، بطريقة غامضة، العام الماضي، رغم أنه ملاحق قضائياً بتهم منها غسيل اﻷموال.
ويؤكد التقرير أن القصر الذي “تم شراؤه بأموال الحكومة السورية المختلسة”، كان ذات يوم واحداً من العديد من العقارات التي يملكها “رفعت”، لكن الدولة الفرنسية استولت عليه، بينما “سقط الأثاث الذي كان بداخله في ثغرة قانونية، مما يعني أن البائع المجهول سيواصل بيع ما لا يقل عن 1.6 مليون يورو (1.8 مليون دولار) من القطع، وفقاً للبيانات المتاحة”.
ويُضيف التقرير: “في خضم هذا الضجيج، أدرك شابان سوريان – كانا قد وصلا إلى فرنسا في عام 2015، هربًا من نظام الأسد وقمعه الوحشي للمعارضة – ما أحاط بهما.. كل هذا يخصنا نحن السوريين؛ قال أحدهم بصوت منخفض، طالباً عدم الكشف عن هويته خوفاً من التداعيات”.
وذكرت شركة Ader لموقع Middle East Eye أن “المعلومات سرية والبيع يتوافق مع القوانين ذات الصلة”.
وأضافت أن من بين الأشياء التي باعتها ضمن مزاد علني خاص “أرائك فاخرة وطاولات ولوحات وثريات وأطقم عشاء من البورسلين وسجاد”.
في عام 2017، صادرت السلطات الإسبانية أيضاً أكثر من 500 عقار بقيمة 736 مليون دولار يملكها “رفعت”، بينما حُكم عليه بالسجن أربع سنوات في فرنسا في يونيو 2020 بتهمة استخدام أموال الدولة السورية بشكل غير قانوني لبناء إمبراطورية عقارية فرنسية بقيمة 90 مليون يورو على الأقل (9.7 مليون دولار)، وتمت مصادرة أصوله.
عندما أيدت محكمة فرنسية عليا القرار في سبتمبر 2022، غادر “رفعت الأسد” إلى سوريا بعد أكثر من 30 عاماً في “المنفى”، حيث سمح له ابن أخيه “بشار الأسد” بالعودة.
وأوضحت Ader أنه تم بيع نصف العناصر الموجودة في كتالوج المعرض في اليوم الأول، مقابل 1،673،000 يورو (1.8 مليون دولار)، لكن لم يتم الإعلان عن معلومات حول اليوم الثاني من المبيعات.
ويمكن التعرف على بعض البضائع المعروضة للبيع بالمزاد العلني – بما في ذلك العديد من الأرائك والكراسي الفاخرة – من الصور التي تم التقاطها خلال المقابلات التي أجراها رفعت الأسد قبل إدانته.
وحدّد موقع MEE لوحتين من اللوحات المعروضة للبيع بالمزاد؛ واحدة للفنان الفرنسي “كلود جيلي” من القرن السابع عشر، بيعت بمبلغ 3000 يورو (3200 دولار)، وأخرى للفنان الروسي “غاسبار دي تورسكي” في القرن التاسع عشر، والتي بيعت بمبلغ 1200 يورو (1298 دولاراً أمريكياً).
وتقول السلطات الفرنسية إنها لم تشارك في بيع الأثاث، فيما أخبرت وكالة إدارة واسترداد الأصول المصادرة، وهي هيئة إدارية عامة فرنسية تبيع الأصول التي استولت عليها الدولة، موقع Middle East Eye أنها “لم تكن وراء المزاد الذي نظمته Ader”.
من جانبه قال “شانيز منسوس”، رئيس قسم المناصرة والتقاضي بشأن التدفقات المالية غير المشروعة في منظمة “شيربا” الفرنسية غير الحكومية، التي كانت طرفاً مدنياً في الإجراءات الفرنسية ضد رفعت الأسد منذ عام 2013: “لم يكن من الممكن معرفة كيفية اقتناء الأثاث”.
وأضاف “منسوس”: “كانت التحقيقات في القضية الفرنسية طويلة جداً، بدأت الإجراءات في عام 2013، وبالنسبة لشراء العقارات، هناك أحكام قانونية تنطبق، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للأثاث”.
وأوضح أنه “على عكس البضائع التي تم الاستيلاء عليها من قبل المحاكم، في هذه الحالة، سيذهب الربح من البيع إلى مالك هذه البضائع، يجب أن نتذكر أن هذا البيع غير قانوني من الناحية الفنية”.
وبحسب التقرير فقد حصلت Ader على 25 بالمائة من أرباح المزاد، ومن غير المعروف إلى أين سيذهب باقي المبلغ، بينما يبقى البائع “مجهولاً”.
من جانبه أنكر مستشار “رفعت الأسد” الفرنسي، “إيلي حاتم”، أن تكون البضائع المعروضة في المزاد مملوكةً لموكله الموجود حالياً في دمشق، حيث “يلتزم بالقانون الفرنسي وقانون بلاده”.
وأضاف أن رفعت “لا ينوي استعادة أي من الممتلكات المصادرة منه”، حيث أن المزيد من الإجراءات القانونية ضده في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لازالت معلقة.
وكشف في المقابل أن “الدولة السورية (نظام اﻷسد) ستمضي قدماً في طلب رد أي ممتلكات أُعلن أنه تم تحويلها من البلاد بمجرد الانتهاء من هذه القضية”.
وبحسب “حاتم”، فإن البضائع التي باعتها Ader بالمزاد تأتي من الطابق الثالث من منزل “أفينيو فوش”، والذي تخلى عنه “الأسد” لزوجته السابقة منذ فترة طويلة في سياق إجراءات طلاق، والآن “ربما تبيع الطليقة هذه البضائع لتحقيق ربح دون موافقة موكلي”.
وكان لزوجتين سابقتين من زوجات “رفعت الأسد”، لكل منهما شقتها الخاصة في المبنى، وكان لهما “مصاعد منفصلة مصممة لمنعهما من الالتقاء ببعضهما البعض”، ولم يحدد “إيلي حاتم” أيهما كان وراء المزاد.
كما أشار التقرير إلى “سوار الأسد” ابن “رفعت” وزوجته “بركات”، والذي شغل منصب المتحدث باسم “رفعت” من لندن، حيث يرأس مؤسسة “أراميا”، والتي تقول إنها “تساعد اللاجئين السوريين وتعمل على حماية التراث التاريخي لمنطقة الشام”.
و”سوار” هو أيضاً حليف تجاري لوالده، وقد قال أحد المطلعين على معرفة عميقة بقضية “رفعت الأسد” في فرنسا: “يظهر اسمه كمستفيد في جميع الشركات الوهمية التي أنشأها رفعت الأسد لإخفاء مصدر أمواله”.
ويظهر أنه زوجتي “رفعت” ينتمين إلى شبكة الشركات المذكورة في التحقيقات الفرنسية إلى جانب “سوار الأسد”، ولكن “لا يمكن الوصول إلى أي منهم للتعليق”.
وقال الناشط والفقيه القانوني الفرنسي “فراس قنطار”: “أخشى أن تعود هذه الأموال في نهاية المطاف إلى جيوب عائلة الأسد”.
وأضاف: “بالطبع يحق لدار المزادات التي تنظم هذا البيع أن تفعل ذلك، لكن هل سأل هؤلاء الناس أنفسهم عن الأخلاق وعن مسؤوليتهم؟ إنهم يختبئون وراء القانون، هذا كل شيء “.
أما “فنسنت برينغارث” محامي “شيربا” فقد قال: “إذا كانت إدانة رفعت الأسد تمثل انتصارًا كبيرًا في مكافحة” انتهاكات النزاهة”، فإن بيع هذه الأصول يضيف للأسف العديد من المفاجآت غير السارة التي أعقبت هذا الإدانة”.
وأضاف: “في ضوء ما كشفته التحقيقات [الفرنسية] حول الطريقة الاحتيالية التي تمكن بها رفعت الأسد من تكوين جزء كبير من أصوله، فإن هذا يظهر أنه يجب تحسين عدالة مكافحة الفساد، فحتى لو تمت مصادرة عدد كبير من البضائع، فمن الواضح أن البضائع المعروضة في المزاد، والتي لها قيمة كبيرة، أفلتت من العدالة”.