أكد مركز “حرمون” للدراسات، أن اﻷزمات التي تشهدها مناطق سيطرة النظام سبّبت تحولات سلبية في أنماط الحياة الاجتماعية، وأدت إلى ظواهر جديدة ضاغطة على المجتمع مع ارتفاع معدلات الفقر.
ولفتت الدراسة إلى أن نقص المحروقات وشدة التقنين وتراجع حصص الأفراد والعائلات من الطاقة الكافية يعيق كافة مناحي الحياة في سوريا، ضمن مناطق سيطرة النظام، وهو ما فاقم المشاعر السلبية لدى السكان، و”أنتج مزيداً من القابلية والاستعداد للانحراف والتشوهات الاجتماعية”.
ويرتبط ذلك – وفقاً للدراسة – بمشاعر الضيق والتوتر والقلق، مع تصاعد الأزمات المستمر منذ عام 2012، وعجز النظام عن تأمين الكفاية من الطاقة وغيرها من الاحتياجات، وهو ما جعل الناس في “حروب يومية” لتأمين احتياجاتهم.
وفضلاً عن نقص الكميات والحصص الممنوحة للأفراد والمؤسسات، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، تظهر مشكلة سوء التوزيع، حيث أكدت الدراسة أن 3،5 بالمئة فقط من أفراد العينة التي شملتها حصلوا على القدر الكافي من مصادر الطاقة، مقابل 96.5 بالمئة يعانون من العوز، وهو ما يفاقم المشاعر السلبية تجاه الفقر الشديد وارتفاع عامل التزاحم المكاني في البيوت بفعل وباء كوفيد-19.
وأدت العوامل المشار إليها إلى قابلية لدى البعض في “الانخراط بنشاط إجرامي وغير أخلاقي”، جراء “مشاعر الحرمان”، وهو ما نتج عنه ارتفاع في جرائم القتل، و جرائم السرقة و”الجرائم العائلية”، مع اتجاه عدد كبير من أفراد المجتمع نحو تعاطي المخدرات وإدمانها، حيث عّبر 37 بالمئة من المستجوبين عن اعتقادهم بوجود رابط كبير بين انتشار جرائم السرقة وتناقص مصادر الطاقة.
وينعكس ذلك في الوقت ذاته على تنامي المظاهر السلبية اجتماعياً، كالطلاق و التحرّش و الدعارة والبطالة وعمالة الأطفال، حيث أن الطلاق جاء في المرتبة الثانية كأكثر ظاهرة اجتماعية تفاقمت بسبب شحّ مصادر الطاقة، والذي أضاف مزيداً من الظروف القهرية على العائلة السورية، فارتفعت نسب الطلاق في سوريا إلى ما يعادل ثلث عدد حالات الزواج، فبمقابل 30 ألف حالة زواج في دمشق، جرت 10 آلاف حالة طلاق.
وساهمت الظروف المعيشية القاسية مع حالة العزلة والتباعد الاجتماعي في زيادة العنف العائلي، نتيجةً لخلق مزيد من الاحتكاك السلبي بين أفراد العائلة، وزيادة العنف العام والعنف القائم على النوع الاجتماعي الموجه ضد النساء والأطفال، وفقاً للمصدر.
وتعددت أشكال العنف العائلي من التعنيف اللفظي والضرب، وصولًا إلى ارتفاع جرائم القتل ضمنها، وبحسب الطبابة الشرعية، فإن نسبة عالية من جرائم القتل في مناطق سيطرة النظام هي جرائم عائلية يكون القاتل والقتيل فيها من أسرة واحدة، وهو ما يدل على التوتر الشديد داخل المنزل، إذ إن الظروف الصعبة الناجمة عن تراجع سبل العيش وشحّ مصادر الطاقة خلقت مناخات أجبرت النساء على الوجود والتعايش إلى حد ما ضمن بيئات لا توفر لهن الحماية الجسدية والنفسية.
كما ارتفعت نسب التحرش نتيجة الازدحام الخانق في المواصلات، ومع الحاجة إلى الخدمات الأخرى، اضطرت النساء إلى الوجود في أمكنة وأزمنة غير مواتية، تعرضن فيها للتحرش اللفظي والجسدي، ومع انقطاع الكهرباء وفرت العتمة في الشوارع مناخاً ملائماً لزيادة التحرش، حيث اضطر عدد كبير من النساء إلى التنازل الجسدي، مقابل خدمات المواصلات أو خدمات مالية وعينية، واضطرت كثيرات منهن إلى الصمت أو التجاوب مع تحرشات أرباب العمل، تحت ضغط الحاجة المادية المتزايدة.
ورأى 22.5 في المئة من أفراد العينة أن حالات التحرش ارتفعت بالتوازي مع النقص في عوامل الطاقة، بسبب الظروف الصعبة التي نجمت عنها، وعلى رأسها الازدحام الخانق في المواصلات.
ولعب النقص الشديد في مصادر الطاقة دوراً فاعلًا في انخفاض شبكات الأمان الاجتماعي، ضمن منظومة متهالكة ينخرها الفساد والاستبداد، وذلك من خلال غياب الخدمات الرئيسية وعجز أرباب الأسر من الإناث والذكور عن تأدية وظائف الحماية الأسرية، على الصعيدين الخدمي والاجتماعي، وما نتج منهما بفعل الضيق والغضب والتشوهات النفسية والقيمية، ومحاولة سدّ النقص المادي والخدمي بطرائق جرمية، أو محاولات الهرب من الواقع واستحقاقاته، كما في الإدمان على المخدرات، حيث ربط 20 بالمئة من أفراد العينة بين ارتفاع نسب الجرائم وشح الطاقة، وأكد 5 بالمئة منهم وجود رابط بين انتشار المخدرات والواقع المعيشي الصعب.