نجح السوريون منذ أعوام في اختراع مدافئ تستخدم قشر الفستق الحلبي كمادة للتدفئة، نتيجة لقلة وغلاء أسعار المازوت، وتلى ذلك استخدام قشور لقلوب الثمار المختلفة من مشمش وبندق ولوز وجوز وغير ذلك، جراء ازدياد الطلب عليها، والتحوّل عن مدافئ المازوت التي استُخدمت لعقود في كافة البيوت السورية.
ومثلت القشور بديلاً اضطرّ إلى استخدامه السوريون في معظمهم، إلى جانب مادتي الحطب و”البيرين” (مضغوط مخلفات الزيتون المعصور) لكنّ هناك نسبة كبيرة ممن لم يجد ما يشتري به أياً مما سبق، واضطر إلى جمع اﻷكياس وعلب البلاستيك وماتوفّر من أوراق وكراتين، وغير ذلك.
ويوجد في الشمال السوري حوالي 1.7 مليون من النازحين في 1,400 موقع للنزوح، من بينهم 80 في المئة نساء وأطفال، وتقريباً هناك 46,000 منهم لديهم احتياجات خاصة، وفقاً لتقديرات اﻷمم المتحدة؛ وجلّ هؤلاء لا يستطيع تأمين مواد التدفئة.
يُضاف إلى ما سبق عدد كبير من سكان المنازل سواءً من النازحين خارج المخيمات أو أصحاب المنطقة اﻷصليين، حيث تشير تقارير اﻷمم المتحدة إلى تصاعد الاحتياجات بشكل متزايد.
تضاعف أسعار وقود التدفئة
شهد العام الحالي ارتفاعاً في أسعار معظم المواد، جراء أزمات عالمية اقتصادية تأثر بها الشمال السوري، حيث غلت المواد الغذائية والصناعية بما فيها القشور المستعملة في التدفئة والتي يتم استيرادها إلى ريفي حلب وإدلب عن طريق تركيا.
ويقول تاجر مواد تدفئة في مدينة إدلب، لـ”حلب اليوم” إن أسعار تلك المواد شهدت تقلبات كبيرة خلال العام الماضي، حيث بلغت في المتوسط نحو 130$ للطن الواحد قبيل الشتاء، لترتفع تدريجياً حتى تجاوزت حاجز الـ200 $ في نهاية الموسم، وما تزال فوق ذلك الحاجز حتى اليوم.
وأرجع التاجر سبب الارتفاع إلى عاملين أساسيّين؛ اﻷول هو ازدياد الطلب جراء البرد القارس والطويل خلال العام الماضي، حيث استمرت عمليات الشراء حتى شهر نيسان، والثاني هو غلاء اﻷسعار من المصادر العالمية جراء الارتفاع الدولي في قيمة معظم المواد، والذي يرتبط بشكل أساسيّ بأزمة “كورونا” وسلاسل التوريد والغزو الروسي ﻷوكرانيا.
ويؤكد فريق “منسقو استجابة سوريا” في تقرير نشره اﻷسبوع الماضي، أن الوضع في الشمال السوري يحتاج بالفعل إلى تدخّل المنظمات والهيئات الإنسانية، حيث “تشهد مناطق شمال غرب سوريا خلال الفترات الأخيرة زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في المنطقة، بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 3.7 مليون نسمة يشكل 85% منهم من القاطنين ضمن المخيمات”.
كما أشارت إلى “الارتفاع المستمر في أسعار المواد والسلع الأساسية في المنطقة، يضاف إليها تزايد معدلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية وصلت إلى 85% بشكل وسطي، مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة”.
المزيد من العائلات تغوص في مستنقع الفقر
لم يعد اللجوء إلى بدائل عن القشور والتي تعتبر أصلا مادةً بديلة، كعلب البلاستيك والكرتون المقوّى محصوراً في قلّة من الفقراء، بل باتت المزيد من العائلات السورية تلجأ إلى ذلك مع تصاعد معدلات الفقر.
ويقول بائع حطب في ريف إدلب الغربي لـ”حلب اليوم” إنه لم يعتد فيما سبق على بيع الحطب بكميات تقلّ عن نصف طن، إلا أنه يبيع خلال الفترات اﻷخيرة، كميات أقل وصلت أحيانا إلى ما يعادل 10 كيلوغرام فقط، حيث يشتري الكثير من اﻷهالي حاجتهم اليومية أو حتى أقلّ من ذلك، تحت ضغط الفقر والحاجة إلى التدفئة.
وبحسب آخر تقدير نشرته “استجابة سوريا” نُشر بشهر حزيران/ يونيو الماضي فإن مئات العائلات انحدرت خلال الفترة التي سبقت ذلك إلى ما دون حد الفقر الأساسي، مع ارتفاع حد الفقر إلى مستويات جديدة بنسبة 2.4% مما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 86.4 بالمئة.
أقرأ أيضاً: الخارجية اﻷمريكية تتعهّد بزيادة “الدعم اﻹنساني” لمنطقة شرق الفرات
وأوضح التقرير أن حد الفقر المعترف به، ارتفع إلى قيمة 3,875 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع، ارتفع إلى قيمة 2580 ليرة تركية، مع زيادة حد الجوع إلى مستوى جديد بنسبة 1.6% مما يرفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 37.6%، كما ازداد العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية للمنظمات بنسبة 9% ليصل إلى نسبة 53.3 % بشكل إجمالي، وذلك حتى تاريخ صدور التقرير.
أوضاع أكثر صعوبة في مناطق سيطرة النظام
ما زالت العديد من العائلات في مناطق سيطرة النظام معتمدة على المازوت كمادة للتدفئة، حتى العام الماضي، رغم قلة وجودها، وارتفاع أسعارها، إلا أن توفّرها بالحد اﻷدنى مكّن السوريين من تمضية الشتاء مع التوفير والتدبير إلى أقصى حد.
ويأتي الشتاء الحالي وسط غلاء مضاعف في أسعار الديزل والبنزين وكافة المواد، مع قلّتها في محطات التعبئة، في وضع بدأ منذ أشهر، ومن المرجّح أنه سيستمر على المدى الطويل، ويؤكد الكثير منهم أن أمامهم شتاءً قارساً بلا أية مواد للتدفئة.
وبدأ السكان في اﻷرياف منذ أسابيع بجمع كلّ ما يمكنهم جمعه من الحطب والمواد المساعدة على الاشتعال، إلا أن سكان المدن يواجهون وضعاً أكثر تعقيداً.
كما أقبل القرويّون على شراء مادة “الجلّة” أو “الكسح” التي تتشكل في اﻹسطبلات من بقايا روث الحيوانات التي يتم دوسها بالحوافر لتصبح طبقة سميكة، حيث وصل سعر الطن منها إلى مئات ألوف الليرات.
وتبقى البلاد بعمومها متّجهة نحو وضع يزداد صعوبةً وتعقيداً في كل عام، مع غياب أفق الحل السياسي، وإصرار النظام على التمسّك بالسلطة، إلا أن الفئات الأشد ضعفاً هي من يدفع الجزء اﻷكبر من الثمن.