يواجه الجيل الجديد من السوريين في تركيا تحدّياً بارزاً يتعلّق بالهوية واللغة العربية اﻷم، مع السعي للاندماج الذي يُعدّ ضرورياً للسوريين واﻷتراك على حدّ سواء، بالنظر إلى أن اﻹقامة قد تطول إلى أمد غير معلوم، ومع وجود أعداد كبيرة ممن حصلوا على جنسية البلاد، ويرون مستقبلهم ومستقبل أولادهم فيها.
وتُراعي الحكومة التركية – وفقاً لسوريين يعيشون في تركيا – قضية تعليم العربية ﻷبناء السوريين، لكنّ أولويّتها هي تعليم التركية، وتحقيق الدمج الكامل مع المناهج والمدارس الحكومية المنتشرة بمختلف أنحاء البلاد، وتبقى قضية الحفاظ على اللغة؛ وبالتالي الهوية الأم، المسؤوليةَ اﻷولى الملقاةَ على عاتق اﻵباء، مع غياب أي مشروع حقيقي لمؤسسات المعارضة السورية في تركيا.
وتقول الصحفية السورية “مي الحمصي” في حديثها لموقع “حلب اليوم” إن من الضرورة أن يتوافر الوقت لدى الأهل من أجل تعليم أطفالهم بشكل ذاتي، وأيضاً وجود محيط داعم، في ظلّ “قلة مراكز تعليم اللغة العربية بالنسبة لعدد الأطفال السوريين وغلاء أجور المدرسين الخصوصيين”.
ويرغب الجيل السوري الشاب في تركيا بالتحدث باللغة التركية، بدافع الخوف من التمييز، وفقاً لتقرير مفصّل نشره القسم التركي في موقع “المونيتور” مطلع الشهر الجاري، حيث أشار إلى أن تواصل الأطفال السوريين في المدرسة مع الطلاب الأتراك والتحدّث بلغة أخرى غير لغتهم الأم، ولّد تلك اﻹشكالية، إذ “يتأثر العديد من الطلاب السوريين، وخاصة الشباب منهم، بهذا الوضع ويفقدون تدريجياً قدرتهم على استخدام اللغة العربية”.
سياسة الاندماج في التعليم الحكومي
تعمل الحكومة التركية على إزالة عائق اللغة بين اللاجئين والمجتمع المُضيف من أجل ردم الهوّة بين الجانبين، لكنّ من اﻵثار الجانبية لذلك، التراجع التدريجي للغة العربية بين الأطفال السوريين في المدارس العامة.
وتوجد في تركيا مدارس عربية مرخصة يمكن للسوريين إرسال أطفالهم إليها، لكنّ تكاليفها الباهظة، تضطر أغلبهم لوضع أبنائهم في المدارس التركية المجانية.
كما توجد مراكز مخصصة لتعليم العربية بشكل منفصل، لكنّ الصحفية “مي الحمصي” تشير إلى قلّتها وعدم كفاية أعدادها، ففي إسطنبول على سبيل المثال لم تلاحظ في محيطها وجود أيّ من تلك المراكز، خاصة وأن المسافات في المدينة متباعدة “فوجود مركز في حي معين لا يعني قدرة الطالب على الوصول إليه”.
وتعمل وزارة التربية الوطنية التركية منذ عام 2016، على دمج الأطفال السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة في نظام التعليم العام، وهو ما يُكسبهم إتقاناً كاملاً للغة التركية، بينما يتحدّث معظم الأطفال السوريين فقط باللهجة المحلية دون استعمال من اللغة الفصحى، مما يجعلهم يفتقرون إلى القدرة على القراءة والكتابة الأدبية العربية.
وقالت “رنا الحلوب” وهي لاجئة من حلب ، لموقع “المونيتور” إنها سجلت ابنتيها لمى وسارة ، اللتين كانتا في الصفين الثالث والثاني منذ تسع سنوات، حين لجأت إلى تركيا، في مدرسة حكومية بمحافظة قونية، موضحة أن أطفالها لا يستطيعون القراءة والكتابة باللغة العربية اليوم، كما أنها تجد صعوبة في التواصل معهم ومساعدتهم في دروسهم.
ويُدرك معظم الآباء السوريين أن أطفالهم يجب أن يتقنوا اللغة التركية حتى لا يتعرضوا للتمييز، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين اللغتين.
دور الحكومة التركية
تؤكّد “الحمصي” لـ”حلب اليوم” أن موضوع الحفاظ على اللغة يحتاج إلى تدخل حكومي، ولكن “الحكومة التركية تركز في الوقت الحالي على دمج الاطفال السوريين بالمجتمع التركي وتعليمهم اللغة التركية بالدرجة الأولى”.
وأشارت إلى وجود اهتمام أكبر بالقضية من قبل السوريين في ولاية “غازي عينتاب” جنوبي البلاد، و”تعاون واضح من الجانب التركي الذي أتاح المساجد لتعليم الأطفال”، ولكن العدد “ما يزال لا يغطي الاحتياج”.
ويقول معلمون سوريون في تركيا إنه قد يكون لجهل الجيل الجديد بلغته الأم عواقب اجتماعية وثقافية بالإضافة إلى مشاكل في الهوية وقد يخلق إحساساً متزايداً بالغربة والعزلة لدى الأطفال عن المجتمع العربي الذي ينتمون إليه.
وقد تمّ إغلاق مراكز التعليم المؤقتة التي تدرس المناهج السورية، تدريجياً اعتباراً من عام 2016، بالتزامن مع قرار الحكومة بالعمل على تحقيق الاندماج، وهو ما أدى لانعكاس سلبي جدّاً على قضية الهوية، حيث لم يعد المدرسون السوريون قادرين على تدريس اللغة العربية، ويتم تقديم معظم هذه الدروس الآن من قبل المعلمين الأتراك.
أما مؤسسات المعارضة السورية، فلم يُسجّل أي مشروع لها في هذا اﻹطار خلال السنوات الماضية بعد ذلك، وتقول “الحمصي” إنها لم تعرف شيئاً عن أنشطتها، ولم يسبق لها أن سمعت عن شيء في هذا اﻹطار على الرغم من وجود مكتب للحكومة المؤقتة في “غازي عنتاب”.
دور الدّين في الحفاظ على اللغة
تمثّل النصوص اﻹسلامية (القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف)، والتي يتعلّمها اﻷطفال السوريون، مصدر قوّة للغة العربية.
وتسمح وزارة اﻷوقاف التركية للسوريين بإرسال أبناءهم للمساجد من أجل تعلّم وحفظ القرآن الكريم والحديث، مما يساهم في الحفاظ على مخزون ليس بالقليل من اللغة، لكنّ اﻹقبال غير الكامل يجعل من ذلك اﻷمر غيرَ كافٍ.
كما يمثّل الرابط الديني عامل دمج والتقاء بين السوريين والأتراك، حيث يتميّز المجتمع التركي بعاطفة دينية، تخفّف إلى حدّ ما من نزعة التمييز ضدّ العرب والسوريين.
وفي النهاية يُجمع كثير من السوريين في تركيا، على أن المسؤولية تبقى من اختصاص اﻷهالي، الذين عليهم اعتبار القضية من إحدى التحديات اﻷساسية لهم في البلد المضيف.