أوقفت قوى اﻷمن اللبناني طبيباً سوريّاً، متورطاً مع أخيه العميد في قوات اﻷسد، وهما من مواليد اللاذقية، بتهمة التعامل مع جهاز الاستخبارات اﻹسرائيلي “الموساد”، حيث كان قد دخل البلاد الشهر الماضي، وفقاً لما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر في “فرع المعلومات”.
وقالت الصحيفة إن ضباط الفرع رصدوا الطبيب أثناء متابعتهم لحسابات الإلكترونية مستخدمة من قبل ضباط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي يتواصلون عبرها مع عملاء أوقفوا في وقت سابق، حيث حدد شخص يستخدم أرقامًا سورية وسويدية تواصلت مع الموساد الإسرائيلي بين عامي 2020 و2022، ليتبين أنها تنشط في محيط مطار بيروت الدولي.
وكان الطبيب بحسب المصادر يأتي من السويد إلى بيروت، ثم ينتقل برًّا إلى سوريا، حيث أبلغ القضاء ليعطي إشارته لجهاز أمن السفارات لتوقيف الطبيب السوري أثناء محاولته مغادرة مطار بيروت، وقد تم تسليمه إلى فرع المعلومات.
وأشارت الصحيفة إلى أن “الموقوف كشف للمحققين أنه طبيب أمراض داخلية وكلى، يرأس قسم أمراض الكلى في أحد مستشفيات استوكهولم، ويتقاضى لقاء عمله مبلغ 7.3 ألف يورو وأنه يسافر باستمرار”.
وأقرّ الموقوف – وفقاً للمصادر – موضحة بأن “شخصاً تواصل معه عبر البريد الإلكتروني عام 2018 وأعلمه أنه يدعى “كريستوفر” ويعمل في شركات تعنى بالبيئة وتنقية المياه، عارضاً عليه المساعدة في مشروع تنقية المياه في سوريا، ومدعياً أن هذه المشاريع خيرية ومجانية، فأبلغه موافقته ليحصل تواصل هاتفي بينهما قبل أن يلتقيا بعد نحو شهر في فندق الشيراتون في استوكهولم حيث جرى الحديث عن المشروع، واقترح الطبيب أسماء أشخاص للعمل معه في المشروع هما شقيقاه لؤي ومازن، علما أن الأول عقيد متقاعد والثاني عميد في قوات النظام، ويقع مركز خدمته في قسم الهندسة الطوبوغرافية، إضافة إلى زوجة شقيقه التي تعمل مهندسةً مدنية”.
وقال الطبيب إنه “أعطاه في نهاية اللقاء 150 يورو بدل تنقل من اسكلستونا إلى استوكهولم وبدل تعطيل يوم، وإنه تواصل مع عدد من الأطباء السوريين طالبا منهم تزويده بأسماء المناطق التي تحتاج إلى تنقية المياه، ثم اختار صحنايا الواقعة في ريف دمشق”، ولكن “في اللقاء الثاني، حضر كريستوفر برفقة شخص آخر عرفه به على أنه خبير في تنقية المياه وقد طلبا منه في نهاية اللقاء أن يحضر خريطة جغرافية عن توزيع شبكة المياه في البلدة، وطلب منه التقاط صور لأماكن خزانات المياه والأماكن التي ستُستخدم لتكرير المياه، حيث سافر الطبيب ليلتقي رئيس بلدية صحنايا ويخبره بالمشروع ويحضر الصور والخريطة المطلوبة”.
وكشفت الصحيفة أن “اللقاء الثالث حصل في براغ في تشيكيا، على هامش مؤتمر يشارك فيه الطبيب، حيث تعرف هذه المرة إلى مدير مشروع تنقية المياه المزعوم الذي أخبره أنه يوناني الأصل يُقيم في سويسرا ويدعى بول، وحصل اللقاء في مطعم لبناني ليزود الطبيب الرجلين بالخرائط والصور، واستمر التواصل بعدها مع مدير المشروع عبر تطبيق واتسآب، ليجري الحديث في أمور العمل والحياة الشخصية والسياسة، إذ طلب منه تزويدهم بتفاصيل حياة أهله وأشقائه والأعمال التي يزاولونها سابقا وحاليا وأرقام هواتفهم”.
وفي عام 2019 – تضيف الصحيفة – حصل لقاء آخر في إيطاليا، بعدما طلب منه صاحب المشروع المفترض السفر إلى ميلانو على حسابه الخاص للقاء مسؤول في الاتحاد الأوروبي، دار خلاله حديث عن العقوبات على النظام وكيفية تجنبها في “المشروع الخيري”، حيث أنه في هذا اللقاء، اقترح الطبيب على المسؤول المذكور تمويل معمل الإسمنت الذي يملكه والده، فأجاباه بأنه لا بد من تخفيض العقوبات الأوروبية قبل البدء بهذا المشروع، وفي نهاية اللقاء، أعطاه صاحب المشروع مبلغ 550 يورو بدل سفر وحجزاً فندقياً، وبعد 6 أشهر حصل لقاء جديد في روما في إيطاليا.
وأوضح الطبيب خلال التحقيق، أن “الأحاديث كانت تتمحور حول حياته الخاصة أكثر من المشروع من دون أن يحصل أي تقدم، حيث سألهم عن السبب ليبلغوه بأن سبب ذلك مرده عدم القدرة على تجاوز العقوبات الأوروبية طالبين منه أن يصبر، في نهاية اللقاء، أعطوه 600 يورو بدل حجز فندقي وتذكرة سفر”.
واستمر التواصل بين الجانبين وبدأ “مدير المشروع” يتواصل مع والد الطبيب وشقيقيه لؤي ومازن، علما أن والده يدعى يوسف عمره 85 سنة يعمل في تجارة الحديد والإسمنت، وفي صيف 2019، حصل لقاء في سويسرا لمدة تقارب الساعة والنصف، حيث كانت الأحاديث خاصة عنه وعن إخوته، مما دفع الطبيب للتذمّر، قبل أن يخبره “المدير” أنه يعتبره صديقه ويسر بالحديث معه بغض النظر عن المشاريع، ثم طلب منه خريطة شاملة لشبكة توزيع مياه دمشق، مبررا ذلك بدراسة جدوى إقامة عدة مشاريع لتنقية المياه ثم أعطاه مبلغ 1200 يورو بدل تذكرة سفر وحجز فندقي ويوم تعطيل.
وأشار الطبيب إلى أن “شكوكا ساورته حينها بسبب عدم تنفيذ أي من المشاريع، لافتا إلى أنه اعتبر أن طلبات صاحب المشروع كانت غير منطقية وغير مترابطة، لكنه تابع التواصل آملاً في أن تتضح الصورة لديه، ثمّ انقطعت اللقاءات بين الطبيب وصاحب المشروع منذ بداية عام 2020 بسبب جائحة كورونا ثم خفت وتيرة التواصل لتصبح مرة أو مرتين، وفي حزيران 2020، تكثّف التواصل ليطلب صاحب المشروع من الطبيب تأسيس مكتب لحساب شقيقه العميد مازن في سوريا لإدارة العمل على أن يتكفل هو بتكاليف استئجار المكتب وتجهيزه، ثم طلب من الطبيب شراء حاسوب محمول وهاتف خلوي على أن توصل به شريحة خط سويدية، فعرض الأخير عليه شراء حاسوبه بمبلغ 300 يورو.
وتابعت الصحيفة في تقريرها: “بعدها طلب صاحب المشروع من الطبيب احتساب التكاليف لإعطائه إياها ثم التقيا في سويسرا، وحصل اتصال هاتفي بين الطبيب وصاحب المشروع من جهة، وشقيقه مازن ووالده من جهة أخرى، وبعد أن اطمأن عليهم أبلغهم أنه سينقل التجهيزات معه إلى سوريا لبدء العمل”.
وفي النهاية طلب “مدير المشروع” من الطبيب أن يقوم وشقيقه “مازن” بجمع معلومات عن “مواضيع يقوم بتزويده بعناوينها”، من أجل تمويل “إعادة العمل في معمل الإسمنت”، حيث “تفحص صاحب المشروع التجهيزات وبرنامج التشفير على الحاسوب وفعّل بريداً إلكترونياً، كما زوّده بكلمة المرور وتثبّت من تفعيل تطبيق الواتسآب على الرقم السويدي، وأعطاه كلمة مرور على قصاصة ورق طالباً منه إعطائها لشقيقه وأبلغه أنه ممنوع عليه تصويرها، وطلب منه تجربة إدخال مستند إلى برنامج التشفير ثم طلب منه تعليم هذه الخطوات لشقيقه مازن، ونبهه بأن يخبر شقيقه بأن الهاتف مخصص حصراً للتواصل معه عبر تطبيق الواتسآب والإيميل، طالباً منه أن يبقي الهاتف دائماً في المكتب، كما حذّره من استعمال الحاسوب في أي أعمال أخرى، وأبلغه أن هذه الإجراءات هدفها عدم افتضاح أمر شقيقه لكونه سيرسل له مستندات سرية، ثم أعطاه مبلغ 2500 يورو ثمن الحاسوب وشريحة الهاتف وتذكرة السفر إلى روما ومنها إلى سوريا عبر مطار بيروت الدولي”.
وكشف الطبيب للمحققين أن “صاحب المشروع، تصرف معه بطريقة مختلفة عن السابق، وكان يتوجه له بلغة الأمر، وأظهر جدية وصرامة لم يظهرها في أي وقت سابق”، مشيراً إلى أنه “اكتشف أن ما يسعى وراءه لا يمت إلى الأعمال الخيرية بصلة، إنما تبين له أنه كان يتواصل مع أحد ضباط الموساد الإسرائيلي الذي يسعى لمعلومات أمنية من أشقائه في سوريا، وأنه اتخذ وسيطاً لإتمام مهمته كون تواصله مع أشقائه في سوريا لن يثير الريبة والشكوك لدى الأجهزة الأمنية”.
وذكر الطبيب في إفادته أنه “فور وصوله إلى سوريا، اجتمع بوالده وشقيقيه لؤي ومازن وأعلمهم أن ليس هناك أية مشاريع خيرية وأن الشخص الذي يتعاملون معه ضابط في الموساد الإسرائيلي، فجرى نقاش بينهم ثم قرروا متابعة التواصل والتعامل معه، وعلّم شقيقه مازن على كيفية استخدام الأجهزة حيث قام بتجربة إرسال ملف بعد تشفيره عبر أحد التطبيقات على الحاسوب بواسطة رمز المرور الذي زوده به المشغل”.
واعترف الطبيب بأنه هو من أقنع شقيقه بالعمل مع المشغل الذي كان يطلب منه الاستمرار بتحفيز شقيقه على استكمال العمل مقابل مبالغ مالية، وذكر أنه نقل مبلغ 1500 يورو لشقيقه، كما كان المشغل يرسل هدايا له حيث كان ينقلها الطبيب معه عبر مطار بيروت، وأفاد الطبيب المحققين بأن ذلك حصل أربع مرات، أما الهدايا فكانت عبارة عن علب سيجار وقلم حبر وعلبة غليون وزجاجات عطر، وكان المشغل يرسل الهدايا لوالده وشقيقه الآخر وزوجته، كما أرسل مبالغ مالية مرتين لوالده، “الأولى كانت 500 يورو والثانية 1200 يورو، وذكر أنه في مرة أخرى دفع له 1500 يورو ثم مبلغ 2300 يورو وزعها على شقيقيه ووالده، وفي مرة أخرى أعطاه مبلغ 6 آلاف يورو طالباً منه أن يعطي 4500 يورو منه لشقيقه مازن، و1500 يورو لشقيقه لؤي ووالده”.