كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” اﻷمريكية عن تراجع في قدرة روسيا الصناعية العسكرية، وسط خسائر كبيرة تكبّدتها خلال الغزو المستمر على أوكرانيا منذ شباط الماضي، ولجوء الروس ﻷول مرّة إلى “دولة منبوذة” لشراء السلاح منها.
وأكدت الصحيفة في تقرير نشرته أمس الاثنين، شراء موسكو لملايين القذائف والصواريخ من كوريا الشمالية، نقلاً عن “مصادر استخباراتية أمريكية”، وهو ما اعتبرته علامة على أن “العقوبات العالمية أعاقت خطوط إمداد الجيش الروسي”، وسط نقص في سلاح المدفعية.
ووفقاً لتقارير للمخابرات الأمريكية، “رفعت عنها السرية مؤخراً”، فإن العقوبات العالمية “قيدت سلاسل التوريد بشدة وأجبرت موسكو على اللجوء إلى الدول المنبوذة للحصول على الإمدادات العسكرية”.
يأتي ذلك بعد أيام من تلقي روسيا شحنات أولية من طائرات مسيرة إيرانية الصنع، قال مسؤولون أمريكيون إن بعضها يعاني من مشاكل ميكانيكية، وقال مسؤولون بالحكومة الأمريكية إن قرار روسيا باللجوء إلى إيران، والآن كوريا الشمالية، كان “علامة على أن العقوبات والقيود المفروضة على الصادرات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا تضر بقدرة موسكو على الحصول على إمدادات لجيشها”.
وقدمت المعلومات الاستخبارية القليل من التفاصيل حول توقيت وحجم الشحنة، و”لا توجد طريقة حتى الآن للتحقق بشكل مستقل من عملية البيع”، فيما قال مسؤول أمريكي إنه بخلاف الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، من المتوقع أن تحاول روسيا شراء معدات كورية شمالية إضافية في المستقبل.
من جانبه؛ قال “ماسون كلارك” الذي يقود الفريق الروسي في معهد دراسة الحرب: “يجب أن يشعر الكرملين بالقلق من أنه يتعين عليه شراء أي شيء على الإطلاق من كوريا الشمالية”.
وكان البيت الأبيض قد بدأ قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في رفع السرية عن التقارير الاستخباراتية حول خطط موسكو العسكرية، ثم كشف هذه المواد؛ أولاً للحلفاء على انفراد ثم للجمهور، وبعد فترة من الهدوء في عمليات الكشف، بدأت الحكومة الأمريكية مرة أخرى في رفع السرية عن المعلومات “لتسليط الضوء على صراعات الجيش الروسي”، بما في ذلك المعلومات الاستخباراتية الأخيرة حول شراء طائرات إيرانية بدون طيار ومشاكل الجيش الروسي في تجنيد الجنود.
وأوضحت الصحيفة أن العقوبات الاقتصادية الواسعة – على الأقل حتى الآن – لم تشلّ روسيا، فقد ملأت أسعار الطاقة التي رفعها الغزو خزينتها ومكنت موسكو من تخفيف تداعيات عزل بنوكها عن التمويل الدولي وفرض قيود على الصادرات والواردات، كما فشلت العقوبات المفروضة على الأفراد في تقويض سلطة الرئيس “فلاديمير بوتين”.
لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إنه عندما تعلق الأمر بقدرة روسيا على إعادة بناء جيشها، كانت الإجراءات الاقتصادية لأوروبا والولايات المتحدة “فعالة”، حيث “منعت العقوبات الأمريكية والأوروبية قدرة روسيا على شراء الأسلحة، أو الإلكترونيات لصنع تلك الأسلحة”.
وكانت موسكو “تأمل في أن تكون الصين مستعدة للتغلب على ضوابط التصدير ومواصلة إمداد الجيش الروسي، لكن في الأيام الأخيرة، قال مسؤولون أمريكيون إنه بينما كانت الصين على استعداد لشراء النفط الروسي بسعر مخفض، فإن بكين – على الأقل حتى الآن – احترمت ضوابط التصدير التي تستهدف جيش موسكو ولم تحاول بيع أي معدات أو مكونات عسكرية”.
وكانت “جينا ريموندو” وزيرة التجارة اﻷمريكية قد “حذّرت الصين مراراً وتكراراً من أنه إذا انتهكت شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، أكبر شركة لتصنيع شرائح الكمبيوتر في الصين، أو شركات أخرى العقوبات المفروضة على روسيا، فإن الولايات المتحدة ستغلق هذه الشركات بشكل فعال، وتقطع وصولها إلى التكنولوجيا الأمريكية”، حيث أن الصينيين “يحتاجون إلى صنع أشباه الموصلات”.
ومع تحرك معظم الدول “بحذر” في مواجهة الضغط الأمريكي، ركزت روسيا على إبرام صفقاتها مع إيران وكوريا الشمالية.
لماذا كوريا الشمالية؟
ترجّح المصادر الاستخباراتية أن صواريخ كروز الروسية الجديدة وطائرات الهليكوبتر الهجومية تحتوي على مكونات منخفضة التقنية، مما “يقوض رواية موسكو عن إعادة بناء جيش ينافس خصومها الغربيين”.
وتشير المصادر إلى “عزل كل من إيران وكوريا الشمالية إلى حد كبير عن التجارة الدولية بفضل العقوبات الأمريكية والدولية، مما يعني أن أيًا من البلدين لن يخسر الكثير من خلال إبرام الصفقات مع روسيا”، رغم أن أي صفقة لشراء أسلحة من كوريا الشمالية ستكون انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة التي تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة من “بيونغ يانغ”.
ومع ذلك – يضيف التقرير – فمن غير الواضح مدى علاقة الشراء من كوريا الشمالية بضوابط التصدير، حيث قال “فريدريك دبليو كاجان” الخبير العسكري في معهد “أمريكان إنتربرايز”، إنه لا يوجد شيء عالي التقنية في قذيفة مدفعية من عيار 152 ملم أو صاروخ من طراز “كاتيوشا” تنتجه كوريا الشمالية.
وقال مسؤول أمريكي إن الاتفاق الجديد مع كوريا الشمالية “يظهر اليأس في موسكو”، حيث أن التحول إلى كوريا الشمالية “كان علامة على أن روسيا غير قادرة على ما يبدو على إنتاج أبسط المعدات اللازمة لشن الحرب”، و”السبب الوحيد الذي يدفع الكرملين لشراء قذائف مدفعية أو صواريخ من كوريا الشمالية أو أي شخص آخر هو أن بوتين لم يكن راغبًا أو غير قادر على تعبئة الاقتصاد الروسي للحرب حتى على أبسط المستويات”.
يشار إلى أن تقييد سلسلة التوريد العسكرية الروسية يعد جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأمريكية لإضعاف موسكو ، بهدف إعاقة جهودها الحربية في أوكرانيا وقدرتها المستقبلية على تهديد جيرانها.