ما تزال هيئة الطاقة الذرية السورية التابعة لنظام اﻷسد تعاني منذ عام 2006 لمتابعة تشغيل مفاعل نووي صغير قرب دمشق، في ظل صعوبات عدّة تواجه عمله وفي مقدّمتها استنفاذ اليورانيوم المخصّب الموجود داخله، دون وجود بديل.
وكانت الصين قد زوّدت النظام بمفاعل “منسر” البحثي عام 1996 والذي يحتوي على كيلو غرام واحد من اليورانيوم المخصّب بنسبة 90%، والمخصص لأغراض التحليل والتدريب وإنتاج النظائر المشعة، والتجارب الهندسية والفيزيائية.
وشكّل المفاعل لمدّة سنوات مصدراً للنظائر المشعة المخصصة للاستخدام الطبي في سوريا ولبنان واﻷردن، والمستخدمة في القضاء على اﻷورام واﻻخلايا السرطانية.
وقال فيزيائي سوري لموقع “حلب اليوم” (فضّل عدم الكشف عن اسمه) إن كميّة اليورانيوم الموجودة في المفاعل البحثي الصيني قرب منطقة “السومرية” غربي دمشق، دخلت في مرحلة الاستنفاذ منذ عام 2006، أي بعد عشرة سنوات من انطلاق عمله، وهي فترة “دورة الوقود” الخاصة به.
ومنذ ذلك الحين لم يستطع النظام تأمين الكمية المطلوبة لتعويض الفاقد وهي الثلث، أي ما يعادل 333 غ من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%، بسبب ضغوط أمريكية حالت دون ذلك.
وقال الفيزيائي السوري إن ما يعرفه هو أن الصين أحجمت عن تزويد النظام بما يلزم لمتابعة عمل مفاعلها في ظل الرفض اﻷمريكي، وكذلك روسيا، مما اضطر النظام في تلك الفترة للجوء إلى الهند واﻷرجنتين لكنّ جهوده لم تُفلح.
واضطر العاملون في المفاعل إلى اللجوء لتقنيّة “التصفيح”، أي إحاطة قلب المفاعل بطبقة سميكة من مواد معدنية معينة تقوم بعكس “النيوترونات” واﻷشعة النووية لحفظ أكبر قدر ممكن منها ضمن الداخل، وبالتالي إطالة أمد الوقود.
وأوضح المصدر لـ”حلب اليوم” أن تلك الطريقة نجحت بجهود محلية من قبل فيزيائيين ومهندسين سوريين، ولجأ القائمون على “منسر” إلى تكرارها ﻷكثر من مرّة، فيما كان مستوى التخصيب ينخفض مع الوقت رغم أن المفاعل مصمم للعمل على نسبة 90%.
وفي عام 2015 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “يوكيا أمانو”، أنهم يدرسون طلباً من النظام للمساعدة في تحويل المفاعل لاستخدام وقود بدرجة تخصيب أقل، بحجة منع “استغلاله في تصنيع القنابل”.
وقال النظام في طلبه الذي قدّمه للوكالة حينها إنه يريد المساعدة لاستخدام وقود منخفض التخصيب وإعادة ماتبقّى لديه من الوقود عالي التخصيب “إلى بلد المنشأ”.
وأتى ذلك في ظلّ تراجع وانحسار سيطرة النظام بشكل كبير، ومحاولة استغلال ملف المفاعل في تحذير الغرب من الخطر على اليورانيوم الموجود قرب مطار “المزّة” على أطراف “دمشق”، والادعاء بأنه “قد يقع في يد مجموعة مسلّحة غير منضبطة”.
وأوضح الفيزيائي السوري لموقعنا أن كافة مرافق هيئة الطاقة الذرية السورية، كانت وما تزال مراقبةً ومتابعةً بدقة من قبل هيئة الطاقة الذرية الدولية، والتي تحتفظ بكاميرات مراقبة في مرافق مختلفة من الهيئة السورية التي تقع تحت متابعة مشدّدة.
وذكر – على سبيل المثال – أن القسم المخصص لتشعيع المواد الغذائية بغرض حفظها من البكتيريا، يُضطر لاستخدام “الكوبالت 60” كبديل عن “السيزيوم 137” الممنوع فقط ﻷنه من الممكن استخدامه استخداماً عسكرياً.
وتخضع الهيئة أيضاً لرقابة خارجية باستخدام اﻷقمار الاصطناعية التي تصوّر كل حركة فيها، فضلاً عن إمكانية كشفها ﻷي إشعاع نووي.
وقد حاولت روسيا أيضاً تحريك هذا الملف واستثماره لصالح النظام، حيث دعت وزارة الخارجية الروسية في 2013، الوكالةَ الدولية للطاقة الذرية إلى “تقييم المخاطر على وجه السرعة”، محذرةً من أنه “إذا أصاب رأس حربي بقصد أو من دون قصد مفاعل النيوترون الصغير قرب دمشق فقد تكون النتيجة كارثية”، في محاولة لثني الولايات المتحدة عن قصف مواقعَ للنظام عقب مجزرة الغوطة.
وتحدّث سفير النظام الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية “بسام الصباغ”، عن “القلق البالغ من المخاطر المحتملة التي قد تترتب على إصابة المفاعل”.
وحول الوضع الحالي لـ”منسر” يقول المصدر إنه لا توجد أية معلومات مؤكدة، بسبب ما يُحاط به عمله من سريّة وكتمان، مرجحاً أنه ما يزال يعمل بمستويات تخصيب منخفضة ويواجه صعوبات تقنية، ما لم يكن الروس قد قدّموا مساعدةً ما لـ”الهيئة السورية”.
وكانت روسيا قد وقّعت على اتفاقية “تعاون نووي” للأغراض السلمية مع النظام في خريف عام 2020، وقالت إنها ستشمل مجالات “استخدام التقنيات الإشعاعية في الطب والزراعة والصناعة وحفظ الأمن النووي والإشعاعي”.