تستمر حكومة طهران بعملها الدؤوب على توسيع نفوذها في مختلف أنحاء المحافظات السورية على مختلف الأصعدة، العسكرية والمدنية والدينية على حدّ سواء، واتخذت من البادية السورية منذ منتصف عام 2021 عدداً من المواقع لنشر قواتها وتعزيز وجودها في المنطقة بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية.
التوسع العسكري لميليشيات إيران شرق حمص
مثلث البادية السورية يعتبر هدفاً لحكومة طهران التي تسعى للحصول على الثروات الباطنية الموجودة في ريف حمص الشرقي من النفط الخام والغاز الطبيعي والفوسفات، الذي تشتهر به منطقتي الصوانة وخنيفيس، واللتين تضمان أكبر مناجم استخراج الفوسفات في منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يخص المكاسب المالية، التي بدأت تحصدها الميليشيات التابعة لها، فهي من خلال انتشارها على الطريق الحيوي والشريان الرئيسي الذي بات يربط بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرق سوريا، مع مناطق سيطرة النظام.
التوسع الديني
مع بدء حملة التوسع العسكري المكثّفة لميليشيات الحرس الثوري الإيراني ولواء فاطميون وحركة النجباء وغيرها من التشكيلات التي تدين بولائها المطلق لإيران منتصف عام 2021، بدأ الجناح الديني بالعمل على إنشاء عدد من الحسينيات والتجمعات الدينية “الشيعية” في مدينة تدمر الأثرية التي تشكّل الثقل البارز في منطقة البادية السورية.
هذه الحسينيات امتدت لاحقاً وانتشرت في منطقة السخنة التي حظيت أيضاّ ببناء ثلاثة حسينيات لممارسة الطقوس الدينية الشيعية لأفراد ميليشياتها، وسط تخوف أهالي المنطقة من نشر التشيّع بين أبنائهم وطمس معالمها الدينية الأصلية.
كيف تدخلت الميليشيات الإيرانية بقطاع التعليم؟
لم تكتفي إيران بتوسيع نفوذها عبر الشقين الديني والعسكري بل امتدّ مشروعها للوصول إلى إعادة ترميم عدد من المدارس في مدينة السخنة، التي باتت أحد أهم وأكبر مراكز التجمعات التي تضم عائلات مقاتليها من جنسيات مختلفة، لا سيما العراقية والأفغانية.
وبحسب مراسل “حلب اليوم” في حمص، فقد زار مؤخراً وفدٌ من “مركز أمل” الإيراني، والذي يتّخذ من العاصمة السورية دمشق مقراً رئيساً له، مدينتي تدمر والسخنة بريف حمص الشرقي تحت ذريعة “إجراء مسابقات تربوية لطلاب المدارس”، في الوقت الذي تحدث به والد أحد الطلبة أن ما يجري هو “محاولة لدسّ المعتقدات الشيعية في أدمغة أطفالنا”.
وأشار مراسلنا إلى أن الجوائز التي سيتم تقديمها للطلاب ستعتمد بشكل رئيسي على الإجابات المتعلقة بمذهب الشيعة، الذي بات يُدرّس بشكلٍ غير رسمي للمرحلتين الابتدائية والإعدادية.
سياسة الميليشيات الإيرانية بين “الترهيب والترغيب”
فرضت حكومة طهران، من خلال المثلث “الديني والعسكري والتربوي”، سيطرتها العقائدية والعسكرية على عشرات القرى الريفية لمدينتي تدمر والسخنة، وسط افتتاح مكاتب انتساب لأبناء المنطقة للانضمام لصفوفها مسّتغلةً تردّي الأوضاع المعيشية للأهالي.
واتبعت الميليشيات الإيرانية سياسة “الترهيب بالاعتقال”، وذلك من خلال رمي التهم جزافاً على من يعارض مشروعها التوسعي بموالاة فكر “تنظيم الدولة” من جهة، و “الترغيب” من خلال الرواتب المالية والسلل الغذائية والبطاقات الأمنية التي تمنع اعتقالهم بموجبها من قبل قوات النظام الموجودة في المنطقة من جهة أخرى، الأمر الذي أوقع سكان المنطقة بين فكّي كماشة الاعتقال والفقر، والانخراط ضمن القوات المدعومة إيرانياً بما يخدم مصالحها.
وعلى الرغم من محاولات روسيا كبح جماح التوسع الإيراني بريف حمص الشرقي على وجه الخصوص، إلا أن الأخير استعان بحليفه الاستراتيجي “ميليشيا حزب الله اللبناني” وزجّ بمقاتليه جبناً إلى جنب مع ميليشياته لتوسيع دائرة نفوذه ضمن البادية السورية، وأقدم على افتتاح مشاريع إعادة تأهيل لمنشآت الفوسفات التي تضررت بسبب الحرب “سابقاً”، كما هو واقع الحال بالنسبة لشركة “يارا” التي بدأت فعلاً بالعمل على استخراج الفوسفات من منطقة خنيفس ونقله إلى ميناء طرطوس استعداداً لنقله نحو الأراضي الإيرانية عبر البحر.