استطاع قيصر أن يسرب صور آلاف المعتقلين، ممن قضوا تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد، حيث لا تزال صورهم وحكاياهم تضج على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتمكن عشرات الأهالي من التعرف على صور أبنائهم وذويهم بعد جهد وعناء، بسبب تغيّر ملامحم جراء التعذيب والجوع الذي تعرضوا له أثناء فترة اعتقالهم (بينهم أطفال وشيوخ ونساء)، فيما يعيش آلاف السوريين الآخرين على أملٍ، بانتظار خروج من تبقى في تلك المعتقلات على قيد الحياة.
وفي الوقت الذي أقرّ فيه الكونغرس الأمريكي قانون “قيصر” وفرضه عقوبات على نظام الأسد ودخولها حيز التنفيذ، بالاعتماد على لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا على يد النظام، يستمر نظام الأسد بتصفية المعتقلين في سجونه، بينما يجد بعمليات الاغتيال فرصة للتخلص من معارضيه الذين عجز عن اعتقالهم.
فإذا كان قيصر حصل على أدلة فوتوغرافية تثبت تعذيب وقتل الآلاف داخل السجون على يد النظام وميليشياته ما بين عامي 2011 و2013، فمن سيوثق صور باقي المعتقلين الذين يقتلون كل يوم داخل المعتقلات دون أن يعلم بهم أحد.
في درعا يعمد النظام لتصفية شباب الثورة بشكل ممنهج، فمن لم يتمكن من اعتقاله وتعذيبه حتى الموت في أقبية سجونه وفروعه الأمنية، يعمل على اغتياله خارج المعتقل، فيما يبدو أنها سياسة انتقام من المحافظة التي شهدت انطلاقة الثورة السورية.
قتلى تحت التعذيب بعد اتفاق التسوية:
في تصريح خاص لقناة حلب اليوم، قال “أبو غياث الشرع” عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا، إنهم استطاعوا توثيق نحو 100 قتيل قضوا في معتقلات الأسد منذ سيطرته على المحافظة تموز 2018، مضيفاً أن عدد المعتقلين بلغ منذ اتفاق التسوية نحو 1144 عملية اعتقال، بينهم 453 مدنيًا، و691 عناصر سابقين في الجيش الحر، و38 سيدة و24 طفلًا، أفرج نظام الأسد عن 307 معتقلًا من بينهم خلال عامين من اتفاق التسوية، وبذلك يكون عدد من قتلوا تحت التعذيب بنسبة تفوق 10%
وأضاف “الشرع” أن العدد يتجاوز ذلك إلا أنهم لم يستطيعوا توثيق سوى أسماء الـ100 قتيل فيما هناك أسماء لم توثق، بسبب رفض بعض الأهالي الإدلاء بمعلومات والتحدث بالموضوع، خوفاً من بطش النظام وانتقامه.
وأشار إلى أن هذه الحالات جاءت بعد عقد اتفاق تسوية في المحافظة حيث أن هؤلاء الشباب سلّموا أنفسهم للنظام للاستفادة من اتفاق التسوية، إلا أنه تم اعتقالهم مباشرة، إضافة لاعتقال آخرين على الحواجز، وبعضهم الآخر أُعتقل أثناء مداهمة المحافظة عقب حملة النظام العسكرية التي انتهت بسيطرته عليها.
ووفق مكتب توثيق الشهداء في درعا فإن من بين ضحايا التعذيب في المعتقلات بعد اتفاق التسوية تموز 2018، مقاتلين سابقين في الجيش الحر ومنشقين عن النظام بينهم ضباط إضافة لعدد من المدنيين.
وعن معرفة الأهالي بوفاة أبنائهم في المعتقلات، فقد تم إبلاغ بعضهم بوفاة أبنائهم عن طريق دائرة النفوس في المحافظة مطالبين إياهم بالقدوم لإستلام شهادة الوفاة، وبعض العائلات استطاعوا معرفة ذلك أثناء استخراجهم أوراق ثبوتية كـ إخراج قيد، ليتفاجؤوا بخبر مقتل أبنائهم، وإلغاء اثباتاتهم في دائرة النفوس.
وكانت صفحات محلية في درعا، ذكرت في حزيران 2020 الماضي، أن 44 منشقاً من أبناء بلدة محجة بريف درعا الشمالي، قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام كانوا محتجزين في سجن صيدنايا العسكري، حيث أن هؤلاء الشباب بادروا بعد اتفاق التسوية وسيطرة النظام على درعا لتسليم أنفسهم للاستفادة من العفو عن الفارين، إلا أن النظام قام باعتقالهم وسوقهم إلى الأفرع الأمنية، عوضاً عن فرزهم في القطع العسكرية، ومعظمهم من المنشقين.
ولم يؤكد مكتب توثيق الشهداء الخبر، معللاً ذلك بعدم حصولهم على الأسماء لتوثيقها، إلا أنهم في ذات الوقت لم ينفوا الموضوع، موضحين أن بلدة محجة تحتوي على عدد كبير من المنشقين وقام النظام باعتقال عدد كبير منهم، خاصة بعد اتفاق التسوية.
قتلى الاغتيالات منذ اتفاق التسوية:
من جهة أخرى، ذكر “أبو غياث الشرع” عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا لحلب اليوم، أن 513 عملية ومحاولة اغتيال شهدتها محافظة درعا منذ توقيع اتفاق التسوية 2018، أدت لمقتل 309 شخص من شباب المحافظة.
وبحسب “الشرع” فإن 221 شخصاً قتلوا نتيجة عمليات الاغتيال وهم من عناصر الجيش السوري الحر سابقا، منهم 158 انضموا لقوات النظام بعد التسوية، و58 منهم انضموا للفروع الأفرع الأمنية (أمن عسكري و أمن الدولة و المخابرات الجوية)، إضافة لـ 75 مع الفرقة الرابعة المدعومة من إيران، و 12 مع الفيلق الخامس التابع لروسيا.
وأشار مكتب توثيق الشهداء إلى أنه وخلال النصف الأول من العام الجاري 2020، بلغ عدد محاولات الاغتيال في درعا 214 محاولة، أدت لمقتل 151 شخصًا منذ 1 من كانون الثاني حتى 30 من حزيران الماضيين، وكانت أعلى نسبة للاغتيالات في أيار الماضي، حين قُتل 53 شخصًا نتيجتها، بينما اعتقل وأخفي قسريًا 165 شخصًا من أبناء المحافظة من قبل قوات النظام.
المحلل العسكري والاستراتيجي العميد “أسعد الزعبي” يرى أن الهدف الأكبر من عمليات إيران والنظام على حد سواء في المنطقة، هو قتل أكبر عدد من أبناء حوران من أصحاب الفكر الثوري والسواعد الفتية والخبرة في قتال الشوارع، لأن وجودهم على قيد الحياة هو تهديد لهم وفق قوله.
ومن وجهة نظر المحلل السياسي وعضو هيئة التفاوض السورية د. “إبراهيم الجباوي” فإن أبناء حوران منقسمين لـ3 أقسام:
القسم الأول التحق بالفرقة الرابعة ومخابرات النظام وميليشياته وهؤلاء أصبحوا أذرع وجواسيس داخل مناطقهم وضد أبناء جلدتهم
والقسم الثاني التحق بالفيلق الخامس باعتباره أهون الشرور وذلك بهدف حماية نفسه من الملاحقات الأمنية والسوق للخدمة العسكرية والقتال في الشمال السوري ضد المعارضة.
أما القسم الثالث فهو الذي رفض التسوية والانضمام للفيلق الخامس والفرقة الرابعة، وهذا القسم ملاحق من الجميع ومعرض للاعتقال والاغتيال وخاصة من الفرقة الرابعة كونها المسؤولة عن ملف الاغتيالات والخطف في الجنوب السوري لصالح إيران وحزب الله.
ويرى الجباوي أن أهالي حوران بحاجة للتخلص من إيران بأي شكل، وذلك بسبب نشر التشيع والاغتيال والاعتقال وغيرها، ليتفرغوا لاحقاً لإكمال ثورتهم التي بدأوها، وفق ما ذكر.
وفي حزيران 2020، تم توثيق اعتقال 23 شخصاً، مقتل 17 شخصاً في محافظة درعا عشرة منهم قضوا تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد، وأربعة قضوا بواسطة طلق ناري، وثلاثة نتيجة انفجار عبوات ناسفة، إضافة لمقتل 25 آخرين من الفيلق الخامس وقوات النظام، وتم تسجيل 17 عملية ومحاولة اغتيال، أسفرت عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 8 آخرين بجروح متفاوتة بعضها خطيرة، فيما نجا 7 أشخاص من محاولات اغتيال، وكل هذا يأتي على خلفية الانفلات الأمني في المحافظة وتحول المنطقة لساحة صراعات بين عدة جهات أبرزها روسيا وإيران.
وعمدت قوات النظام على اعتقال عشرات الشبان عقب سيطرتها على كامل محافظة درعا منتصف عام 2018، وإخفاء القسم الأكبر منهم بشكل قسري.
درعا في مقدمة المحافظات التي فقدت أبناءها بسبب التعذيب:
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في حزيران 2020 تقريراً، قالت فيه إن محافظة درعا إضافة لمحافظة حمص تصدرتا مقدمة المحافظات التي فقدت أبناءها بسبب التعذيب.
وشدد التقرير على أن مراسيم العفو التي أصدرها رئيس النظام “بشار الأسد” لم توقِف أو تُخفِّف من وتيرة عمليات التعذيب أو الاعتقال لدى قواته، حيث أصدر ما يقارب 17 مرسوماً للعفو ركَّزت على الإفراج عن مرتكبي الجرائم والجنايات والمخالفات،
وشملت أعداداً قليلة جداً من المعتقلين المحالين إلى المحاكم الاستثنائية كمحكمة قضايا “الإرهاب”، ومحاكم الميدان العسكرية، واستثنت الذين لم يخضعوا لأي محاكمة على مدى سنوات من اعتقالهم وتحولوا إلى مختفين قسرياً.
فيما لم تسجل أي عملية إفراج من مراكز الاحتجاز التابعة للأفرع الأمنية الأربعة (الأمن العسكري، الأمن الجوي، الأمن السياسي، أمن الدولة) سواء من مقراتها المركزية في مدينة دمشق أو فروعها المنتشرة في المحافظات، إذ تمتلك هذه الأفرع صلاحيات عدم تطبيق القوانين حتى وإن كانت تشتمل على حالات ينطبق عليها ما ورد ضمن مرسوم العفو.
ليبقى مصير عشرات آلاف المعتقلين مجهولاً، وسط مناشدات لمنظمات حقوقية موجهة لمجلس الأمن والأمم المتحدة بحماية المدنيين المعتقلين لدى النظام من التعذيب حتى الموت، وإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة.