مساعٍ روسية في الجنوب السوري، لحفظ وضمان أمن واستقرار المنطقة، خاصة في ظل التوترات الأخيرة التي تتصاعد في درعا بين أبناء المحافظة والفيلق الخامس من جهة وبين قوات النظام من جهة أخرى، وبين الفيلق الخامس التابع لروسيا والفرقة الرابعة المدعومة من إيران.
وفي تصريح خاص لحلب اليوم، قال د. إبراهيم الجباوي مدير الهيئة السورية للإعلام سابقاً وعضو هيئة التفاوض المعارضة، إن موقع الجنوب السوري الجوسياسي و المتميز عن باقي المحافظات، بسبب محاذاتها للجولان السوري المحتل، كان له سبب كبير في الاقتتال الحاصل والصراع بين عدة جهات، حيث أن هناك اتفاق بين روسيا والدول الفاعلة بالملف السوري (أمريكا واسرائيل والأردن) لإبعاد إيران عن الحدود الجنوبية والغربية مسافة لا تقل عن 50 كم، وهو ما يدفع روسيا للضغط على النظام لإخراج المعتقلين وإدخال المواد الغذائية وتقديم الخدمات للمنطقة وغيرها من الأمور، حفاظاً على استقرار المنطقة وعدم التصعيد، لكن النظام يتلكأ بدعم من إيران، وفق الجباوي.
ومؤخراً.. أعلن نظام الأسد 25 حزيران، رفع الحجز الاحتياطي عن أملاك وعقارات مئات الشخصيات المعارضة له في محافظة درعا، وتم رفع الحجز بموافقة من مكتب الأمن الوطني ووزارة المالية في النظام.
وجاء قرار رفع الحجز الذي شمل 617 شخصاً من أبناء درعا، بناءً على طلب تقدمت به اللجان المركزية في المحافظة (المسؤول المباشر عن ملف التفاوض مع نظام الأسد وروسيا)، لمحافظ درعا في حكومة النظام “مروان شربك”.
يذكر أن مخابرات النظام حجزت في وقت سابق على أملاك العديد من الشخصيات بدرعا ممن كان لهم نشاطاً سياسياً وعسكرياً في الثورة، بقرار من وزارة المالية التابعة لحكومة النظام.
هذا وأفرج نظام الأسد بتاريخ 24 حزيران، عن 49 معتقلاً من أبناء درعا، بناءً على مرسوم خاص صادر من رئيس النظام بشار الأسد يخص أهالي المحافظة.
وتمت عملية الإفراج في صالة محافظة درعا، بحضور المحافظ وقيادات أمنية، إضافة إلى ذوي المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم.
ووصف رئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام “حسام لوقا”، العفو بـ “المكرمة” من قبل رئيس النظام، في حين تُظهر القوائم الصادرة أن معظم المفرج عنهم، هم من المعتقلين الجدد وموقوفين بتهم جنائية كـ التهريب وترويج المخدرات وغيرها.
عملية الإفراج هذه ليست الأولى في المحافظة، فقد أفرج النظام في تشرين الثاني 2019 عن 41 معتقلاً من أبناء درعا، في حين ذكرت مصادر محلية أن العدد قرابة 118 شخصًا بينهم نساء وأطفال، غالبيتهم تم اعتقاله عقب اتفاق التسوية الذي أُبرم بين فصائل المعارضة ونظام الأسد تموز 2018.
ويتجاوز عدد المعتقلين من أبناء المحافظة الذين تم اعتقالهم بعد سيطرة النظام على المحافظة صيف 2018 أكثر من 1500 معتقل.
وتتم عمليات الإفراج هذه بإشراف روسي، حيث افتتحت في 4 حزيران الجاري، في فندق “الوايت روز” الملاصق للمجمّع الحكومي بدرعا، مركز من أجل تسجيل أسماء المعتقلين والمغيّبين قسراً في سجون نظام الأسد، من خلال ملئ استمارات، تتضمن معلومات عن الشخص المستفسر عنه.
الأمر الذي اعتبره القيادي السابق في الجيش الحر أدهم الكراد، مجرد فقاعة وإبرة لتخدير الشارع وامتصاص غضبه، وكتب “الكراد” على صفحته فيس بوك: “نموذج استمارة لمن يريد الاستفسار عن ابنه وابيه واخته!!! استفسار وليس إفراج، وكالعادة يا ابو شحادة تخدير وبنج للجمهور، وكأن الروس لا يعلمون أن أبنائنا مغيبون في سجون سرية تحت أسماء وهمية وأرقام، هم مجرد أرقام بالنسبة للسجّان.. مثال على ذلك سجن ميسلون السري في مدرسة ميسلون”.
وقال “الكراد” لحلب اليوم، إن اللجنة المركزية في درعا تضغط باتجاه تنفيذ هذه الملفات منذ سيطر النظام على درعا، وأن موضوع رفع الحجز عن أملاك معارضين من المحسوبة على ملف جنايات إرهاب، إضافة لملف المعتقلين وغيره، تأخرت كثيراً، لأن اللجنة المركزية كانت قد وُعدت من قبل الروس والجهات المعنية بتنفيذ هذه القرارات منذ اتفاق التسوية المبرم تموز 2018.
واستطاع الروس اطلاق سراح عدد لا بأس به من أبناء المحافظة، متبعين بذلك سياسة إمساك العصا من المنتصف، فهي لا تود التصعيد في درعا وتسعى لضمان استقرار المنطقة وكسب الأهالي لصفها ومحاربة إيرن بهم لضمان أمن وسلامة إسرائيل، وفي الوقت ذاته تريد الحفاظ على علاقتها بنظام الأسد الذي يضمن مصالحها في سوريا.
ووفق د. إبراهيم الجباوي عضو هيئة التفاوض السورية فإنه وباعتبار تدخل روسيا في درعا كان عسكريا وبالطيران فقط، فهي تحتاج لقوة على الأرض تساعدها على تنفيذ التزاماتها وتعهدات أمام تلك الدول، وهو ما دفعها لتشكيل اللواء الثامن في الفيلق الخامس، وبالتالي هذا الفيلق يعتبر القوة الضاربة لروسيا على الأرض في مواجهة التمدد الإيراني.
وأشار “الجباوي” إلى أن روسيا ضمنيا لا تمانع وجود إيران في المنطقة ولكنها ليست مع تمددها، وهي تستخدم الوجود الإيراني كورقة تساوم عليها الدول الضامنة من أجل الوصول للحل النهائي من خلالها”.
في سياق متصل ذكر رئيس اللجنة المركزية التابعة للنظام “حسام لوقا”، أن المرسوم “الرئاسي” نصّ أيضاً عن كف البحث عن 3734 مطلوباً لنظام الأسد، بعد دراسة ملفاتهم.
وفيما يخص ملف الموظفين المفصولين من عملهم، أشار “لوقا” إلى أنه سيتم العمل على إعادتهم إلى مؤسساتهم، خلال الأسبوع المقبل، ضمن القوانين، مع بعض الاستثناءات خصوصًا الكادرين الطبي والتعليمي.
تصريح “لوقا” أثار حفيظة العقيد المنشق عن قوات النظام “أبو كفاح الحريري” وهو قيادي سابق في الجيش السوري الحر، إذا رد “الحريري” على ذلك في حديث لحلب اليوم قائلاً: “بالنسبة لعملية الإفراج فإن المعتقلين الذين تم فك قيدهم أنهوا محكوميتهم، وبعضهم كان محتجزا على ذمة التحقيق ولم تتم إدانتهم”.
أما فيما يخص موضوع إعادة الموظفين لمؤسساتهم فاتهم “الحريري” النظام بالمراوغة والكذب، مضيفاً أن النظام يخطط لما هو أبعد من ذلك وهو طمأنة الأهالي للرجوع لحضن الوطن وخاصة الموظفين المقيمين خارج البلاد.
وأوضح “الحريري” أن النظام لا عهد وميثاق له فهو يغير القوانين والدستور متى شاء وكيفما يشاء، بما يتناسب مع مصالحه وغاياته، وعليه فإن موضوع كف البحث عن مطلوبين غير جدي وهو في أي لحظة يأمر أجهزته الأمنية باعتقال المطلوبين مرة أخرى.
ووفق “الحريري” فإن روسيا هي من تحمي النظام وهي من تدعمه ولو أرادت الحل لكان السوريون انتهوا منذ زمن من الأسد، ولكن روسيا مخادعة أكثر من النظام وكلاهما مع إيران خط واحد.
ورغم كل ما يحاول النظام فعله في المحافظة الخارجة عن سيطرته فعليا، إلا أن الأحداث في درعا تتسارع بشكل لا يبشر بالتهدئة حالياً، فما تزال عمليات الاغتيال متواصلة ضد قوات النظام وميليشيات إيران وحزب الله إضافة لعمليات اغتيال مضادة بحق أبناء درعا ممن رفضوا التسوية مع النظام، واعتقالات مستمرة بحق شبان المحافظة.
وباعتقاد د. إبراهيم الجباوي فإن الفرقة الرابعة ومن خلفها إيران سيزولان لأن القرار الروسي سيتم بدعم دولي وسيبقى الجنوب تحت ظل الوصاية الروسية، إلا اذا وقعت تغيرات وهذا متوقع من قبل إيران من خلال إحداث الفوضى في المنطقة من خلال بعمليات اغتيالات ومداهمات واعتقالات و غيرها، ولكن أخيرا سيسود القرار الروسي بعد دفع ثمن باهظ، وفق قوله.
وتشهد المحافظة مزيداً من التصعيد على المستويين السلمي والعسكري، ففي حين يخرج الأهالي بمظاهرات سلمية تهتف ضد النظام وإيران وتطالب بالمعتقلين، تشتبك قوات الفيلق الخامس التابع لروسيا بحواجز النظام ما أوقع قتلى وجرحى من الطرفين، واستولى عناصر الفيلق على حواجز لقوات النظام في مناطق عدة ، ليبقى مصير درعا يشوبه الغموض وسط تطورات متتالية للأحداث.