لم يفلح النظام الذي حاول، وعلى مدى سنواتٍ، بتحييد محافظة السويداء عن مجريات الأحداث في سوريا، فمن أصوات الثائرين التي صدحت فيها للاعتقالات التي طالت عدداً من شبابها، وصولاً لامتناع آلاف الشباب عن الخدمة في جيش النظام، شكّلت المحافظة الواقعة أقصى جنوب البلاد رقماً صعباً في المعادلة السورية.
وما إن ظهرت حركة رجال الكرامة التي قادها الشيخ “وحيد البلعوس” حتى اتخذت المحافظة طابعاً خاصاً، لاسيما مع تشكيل هذه الحركة غطاءً للشبان المتخلفين عن الخدمة، والذين باتوا يرون فيها مظلةً آمنةً تحترم رغبتهم في عدم خوض معركةٍ ليست معركتهم ضدّ أبناء شعبهم.
ظهور رجال الكرامة
اعتبر ابن مدينة السويداء، الإعلامي”وائل الأحمد”، أن حركة رجال الكرامة ظهرت بقوةٍ بعد معركة “داما” عام 2014، إذ قدّمت هذه الحركة أكثر من 10 شهداء والعديد من الجرحى، وهي تحمي تخوم السويداء في ظل غيابٍ كاملٍ لجيش النظام، الذي لم يكتف بمراقبة الوضع فقط، بل قصف الشباب المقاتلين إلى جانب “البلعوس” من نقاط تمركزه في الريف الغربي للسويداء.
وأضاف “الأحمد” في حديثه مع حلب اليوم، أن هذه المعركة “شكّلت نقطة فارقة بتاريخ الحركة، إذ ظهر الشيخ البلعوس ورجاله، وهم يعلمون أنه لا حامي لحدود السويداء سواهم وسوى شباب المحافظة، وأن عليهم أن لا يعوّلوا على أحدٍ في الدفاع عنها”.
وتابع “مع مرور الوقت وتصاعد وتيرة الأحداث في السويداء تحول البلعوس إلى ملجأ لحوالي 50 ألف شاب متخلفين عن الخدمة في صفوف جيش النظام، وذلك بعد توجيه رسالةٍ للنظام مفادها أن لا خدمةً عسكريةً بالإكراه، ومن أراد أن يخدم فيها بإرادته فليذهب، وإلّا يحظر على النظام اعتقال أي شاب بالقوة من داخل السويداء”.
ونوه “الأحمد” إلى أنه “ولهذه الأسباب ولتنامي قوة البلعوس، وكثرة الملتفين حوله أقدم النظام بتاريخ 4/9/2015، على اغتياله ومجموعة من رفاقه بتفجيرين أحدهما في منطقة عين المرج على طريق ظهر الجبل، وآخر استهدف مشفى السويداء الوطني، وحصد أرواح أكثر من أربعين مدنياً”.
وأكّد “الأحمد”، أن عملية الاغتيال جاءت بعد تسريب شريط فيديو من مضافة الشيخ، وجّه خلاله رسالة للنظام مفادها “علمنا قراركم بتصفيتنا، ونعلمكم أن أرواحنا وأرواحكم بيد العزيز المقتدر فافعلوا ما شئتم”، متحدثاً عن محاولة اغتيالٍ تعرض لها على طريق قرية الشقراوية في الريف الغربي.
مبادئ التشكيل
لفت “عصام مسعود”، محام من السويداء، إلى أن حركة رجال الكرامة، وعلى الرغم من الطابع الديني الذي تتسم فيه، شكّلت حالةً وطنيةً جيدةً، ونجحت في السيطرة على الأوضاع داخل السويداء، ومنعتها من الانجرار للفتنة مرات عدة.
وتابع لحلب اليوم “ترتكز الحركة على عددٍ من المبادئ التي تمثّل آلية عمل لها، وأهمّها “الدين لله والوطن للجميع”، وهو شعار قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، الذي جمع السوريين خلال حقبة الاحتلال الفرنسي.
وعن إمكانية اعتبار حركة رجال الكرامة فصيلاً مسلحاً معارضاً قال مسعود: لا يمكن أن نعتبر رجال الكرامة تشكيلاً معارضاً، فهم يعملون وفق مبدأ يقول: “نحن لسنا موالين ولا معارضين بل نحن إنسانيون عروبيون”، وذلك بإشارة لماهية تشكيلهم الذي يسعى للدفاع عن الحق، ونصرة الإنسان أياً كان توجهه الفكري والسياسي”.
ورأى “مسعود” أن حركة رجال الكرامة “حافظت على هذه المبادئ منذ تأسيسها حتى اللحظة، ومنحت السويداء موقفا متزنا، لاسيما مع وجود أكثر من 200 ألف نازح من مناطق مختلفة، وتعدد مفردات النسيج الاجتماعي فيها.
أضواءٌ على المشوار
اعتقد النظام أنه باغتياله للشيخ “البلعوس”، وعددً من رفاقه استعاد سطوته ونفوذه داخل السويداء، وأنه قضى على جذوة الحركة، لاسيما بعد الاضطراب الذي شهدته المحافظة على مدى شهرٍ عقب الحادثة، إلا أنه سرعان ما تفاجأ باستعادة رجال الكرامة لتوازنهم وفقاً “لسلام نصار”.
والذي اعتبر أن رجال الحركة تمكنوا من تنظيم صفوفهم مجدداً، في حين أخفق النظام بالقبض على السويداء وتركيعها وسوق شبابها لجيشه، حيث جرت العديد من الحوادث التي حاول من خلالها النظام اعتقال شبابٍ من السويداء، فجاءه الرد سريعاً من قبل رجال الحركة الذين أسروا ضبّاطاً للنظام مرات عدة وبادلوهم بالشباب المعتقلين، حسب وصف نصار.
وقال “نصار” لحلب اليوم “توجّه النظام لاتباع سياسة الحرب العائلية مرة أخرى، فأخفى أمين فرع حزب البعث شبلي جنود، مع نهاية شهر أيلول عام 2015، في ظروفٍ لاتزال غامضة حتى اللحظة، وألصق التهمة بحركة رجال الكرامة، مستغلاً توتر العلاقة بين الطرفين قبيل التفجيرات”.
وأشار “نصار” إلى أن “النظام فشل عن طريق هذه الحادثة بخلق اقتتالٍ داخليٍّ أيضاً، فعلى الرغم من محاولته تحريض عائلة الجنود وعائلاتٍ في السويداء ضد الحركة، إلا أن التصاق أهالي السويداء ببعضهم ازداد كثيراً، وذلك نتيجة الوعي السائد في المحافظة، وإدراك الأهالي موالين ومعارضين وحياديين لمساعي النظام الحثيثة لإثارة الفتنة”.
وأكد “نصار” على أن الحركة “ومنذ عام 2014 وحتى 2018 نجحت بكونها أحد الأطراف الضامنة، لاستقرار الأهالي، وتجلى ذلك واضحاً خلال العدوان الذي نفذه تنظيم الدولة، في الخامس والعشرين من شهر تموز الفائت، على مناطق في مدينة السويداء وريفها، إذ كان رجال الكرامة أول الواصلين إلى تخوم البادية إلى جانب الآلاف من شباب المحافظة في ظل غياب كامل لجيش النظام وقواته الرديفة”، وفقا لتعبيره.