في زيارة هي الأكثر بروزاً وتعقيداً منذ توليه السلطة، شارك الرئيس السوري أحمد الشرع في فعاليات منتدى الدوحة 2025، حاملاً معه أجندات إعادة رسم صورة سوريا على الساحة الدولية، وفتح أبواب البلاد أمام الاستثمارات القطرية في مرحلة إعادة الإعمار، وقد استمرت الزيارة على مدار يومي 6 و7 ديسمبر، وتميزت بحراك دبلوماسي مكثف ولقاءات ذات دلالات عميقة، بدءاً من لقاء الأمير وصولاً إلى زيارة شخصيات سورية.
وقد استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الرئيس الشرع على هامش المنتدى، فيما زار مقر شبكة الجزيرة، والتقى مديرها العام الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، واطلع على استوديوهات القنوات، كما التقى، في سياق شخصي، فضيلة الشيخ محمد كريم الراجح، شيخ قراء الشام، في منزله بالدوحة.
المواجهة والدفاع عن الماضي
في تقرير عن الموضوع، سلط موقع “ميدل إيست آي” الضوء على مجريات المنتدى، حين تعرض الشرع لسؤال مباشر خلال جلسة حوارية مع كريستيان أمانبور من CNN حول اتهاماته بـ”الماضي الإرهابي” وعمله السابق مع تنظيم القاعدة، وقد رد بنقض مصطلح “الإرهاب”، قائلاً: “الإرهابي هو من يقتل الأطفال والأبرياء… لو طبقنا هذا التوصيف على دول عدة في العالم نجده في عدد الضحايا الذين وقعوا في غزة… وفي عهد النظام البائد قُتل أكثر من مليون سوري”.
وختم رده بالقول: “أعتقد أنه أصبح لدى الناس وعي بمعنى كلمة ‘إرهابي’ ومن يستحق هذه الصفة بالضبط”.
الدبلوماسية والمصالحة الداخلية
التقى الرئيس الشرع في الدوحة بالسياسي السوري رياض حجاب، رئيس الوزراء السابق الذي انشق عن نظام الأسد عام 2012 وأصبح لاحقاً منسقاً للهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة، ويرى التقرير أن هذا اللقاء، يمثل، رغم عدم الإعلان عن تفاصيله، إشارة رمزية قوية نحو المصالحة الوطنية واستقطاب وجوه من مرحلة سياسية سابقة.
الجانب الاقتصادي.. سوريا تفتح أبوابها للاستثمار القطري
تخطت الاستثمارات والمساعدات القطرية لسوريا حاجز الـ 10 مليارات دولار في أقل من عام منذ سقوط نظام الأسد، وفقاً لتقديرات.
ويمثل قطاع الطاقة المحور الأكبر للتعاون، حيث تزود قطر سوريا بـ3 إلى 4 ملايين متر مكعب يومياً من الغاز الطبيعي، وساهمت في رفع ساعات التغذية الكهربائية بشكل ملحوظ، واستثمر صندوق قطر للتنمية 760 مليون دولار في إصلاح الشبكة الكهربائية.
كما يشمل التعاون مشاريع استثمارية مباشرة واتفاقات بقيمة 1.5 مليار دولار لمشروع “بوابة دمشق” الإعلامي السياحي، و 250 مليون دولار لمصنع ألبان وعصائر، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم مع شركة قطرية لتطوير مشاريع السكك الحديدية السورية.
وفي دعم مالي حكومي قدمت قطر 87 مليون دولار ساهمت من خلالها في دفع رواتب القطاع العام السوري لثلاثة أشهر.
وقد كشف الرئيس الشرع خلال الزيارة عن توقيع اتفاقيات مع دول خليجية وأوروبية للاستثمار في القطاع الزراعي السوري، في إطار توسيع قاعدة الشركاء الاقتصاديين.
دعوة لرجال الأعمال
خلال لقاء مع وفد غرفة تجارة وصناعة قطر، دعا الرئيس الشرع رجال الأعمال القطريين للاستثمار في سوريا، واصفاً الفرص بأنها “كبيرة” في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة والعقارات، ومؤكداً على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الزيارة تجاوزت إطار المشاركة في منتدى دولي لتصبح محطة مفصلية فقد نجح، من خلال خطابه الذي واجه فيه اتهامات الماضي ومبادرته بلقاء منشق سابق، في إدارة الصورة وإطلاق رسائل مصالحة داخلية، وعلى الصعيد الاقتصادي، أثمر التحالف الاستراتيجي مع قطر عن تدفق استثمارات حيوية تمس حياة المواطن المباشرة، كالطاقة، بيد أن التحدي الأكبر الذي ينتظر سوريا يتمثل في تحويل هذه الخطوات الدبلوماسية والاقتصادية الأولى إلى استقرار شامل ومشروع تنموي مستدام، في بلد لا يزال يعاني من جراح عميقة وتصدعات مجتمعية هشة.






