يجري الرئيس السوري أحمد الشرع، غداً الثلاثاء، زيارة عمل إلى المملكة العربية السعودية هي الثالثة له منذ توليه منصبه، في خطوة تعكس بوضوح المسار الجديد للسياسة السورية القائمة على الانفتاح الإقليمي والاندماج الاقتصادي بعد سنوات من العزلة والتحديات الداخلية.
وبحسب مديرية الإعلام في رئاسة الجمهورية، فإن الشرع سيلتقي خلال الزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لبحث آفاق التعاون الثنائي بين البلدين، خصوصاً في مجالات الاستثمار والطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، إلى جانب مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية التي تشغل البلدين.
كما سيشارك الرئيس السوري في الدورة التاسعة من مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرياض، حيث من المنتظر أن يلقي كلمة أمام نخبة من القادة وصنّاع القرار في الاقتصاد العالمي.
من العزلة إلى الشراكة: تحوّل في السياسة السورية
تحمل زيارة الشرع إلى الرياض دلالات تتجاوز البعد البروتوكولي، إذ تمثل تتويجاً لمسار التقارب المتسارع بين دمشق والرياض منذ سقوط النظام البائد.
ويرى مراقبون أن هذا التقارب يعكس تحولاً استراتيجياً في الرؤية السورية التي لم تعد تكتفي باستعادة موقعها العربي، بل تسعى إلى بناء شراكات اقتصادية عميقة مع القوى الإقليمية المؤثرة، وعلى رأسها السعودية، بما يسهم في إعادة رسم صورة سوريا كدولة فاعلة لا متلقية للمساعدات.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، في تصريح لقناة حلب اليوم، إن “العلاقات السورية السعودية بعد سقوط النظام الاستبدادي الأسدي المجرم تتبوأ مكانة متميزة لم تعرفها من قبل، إذ تؤسس لمرحلة من التعاون الأخوي القائم على المصالح المشتركة التي تنعكس إيجاباً على الشعبين العربيين الشقيقين”.
وأضاف سعدو أن دمشق “تولي أولوية واضحة للانفتاح على الرياض باعتبارها البوابة الأساسية للمنطقة العربية، ومدخلاً حيوياً لإعادة الاعتبار لسوريا سياسياً واقتصادياً”، مشيراً إلى أن هذا الانفتاح يعكس إدراكاً سورياً بأن استعادة الدور الإقليمي تمر عبر التكامل مع مركز القرار العربي والخليجي.
الاقتصاد مدخل السياسة
يحمل المؤتمر الذي يشارك فيه الشرع عنواناً ذا دلالة: “مبادرة مستقبل الاستثمار”، وهو ما ينسجم مع الطموح السوري في الانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة الاستثمار والبناء.
وذكرت قناة الإخبارية السورية أن وفدا رفيع المستوى يضم وزراء المالية والاقتصاد والطاقة والاتصالات، وصل اليوم للعاصمة السعودية الرياض للمشاركة في المؤتمر.
ويرى محللون أن مشاركة سوريا في هذا المنتدى العالمي تمثل خطوة رمزية قوية نحو إعادة إدماجها في الاقتصاد الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل توجه الحكومة السورية لجذب رؤوس الأموال والشركات الكبرى إلى مشاريع إعادة الإعمار.
ويشير سعدو إلى أن السعودية تمتلك دوراً محورياً في ملف إعادة إعمار سوريا، الذي تُقدّر كلفته بما بين 600 و700 مليار دولار، موضحاً أن “نجاح هذه العملية يتطلب تضافر الجهود العربية والإسلامية والدولية، على أن يكون للرياض النصيب الأبرز في قيادتها نظراً لما تمتلكه من إمكانيات وتأثير عالمي”.
السعودية.. شريك استراتيجي وبوابة عربية
يرى الكاتب السوري أن الدور السعودي في الملف السوري يتجاوز البعد الاقتصادي إلى البعد السياسي والإقليمي، إذ ترتبط المملكة بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والعواصم الغربية، ما يمنحها قدرة على التأثير في مسار الحلول السياسية ودعم استقرار سوريا، إضافة إلى التصدي لمحاولات التقسيم والتفتيت التي تغذيها بعض القوى الإقليمية.
ويضيف سعدو أن “الرياض بما تمثله من ثقل عربي وإسلامي تعد البوابة التي يمكن من خلالها لدمشق أن تعود بقوة إلى محيطها الطبيعي، بما يتيح استعادة دورها التاريخي في المنطقة”.
ثلاث رسائل
تُعد زيارة الشرع الثالثة إلى السعودية خلال أقل من عام — بعد زيارتيه في شباط وأيار الماضيين — رسالة ثلاثية الأبعاد؛ فهي تأكيد سياسي على أن دمشق تتجه نحو استقرار داخلي يسمح بانفتاحها الخارجي بثقة، وعلى المستوى الاقتصادي تمثل سعيا حقيقيا لجذب الاستثمارات وإعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر شراكات استراتيجية.
أما عربياً فهي تدل – وفق مراقبين – على رغبة واضحة في ترميم العلاقات مع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، كمدخل لاستعادة الدور الإقليمي لسوريا.
وفي المحصلة، تبدو زيارة الشرع إلى الرياض منعطفاً مهماً في مسار العلاقات السورية السعودية، وبداية مرحلة جديدة من الاندماج الإقليمي، يتداخل فيها الاقتصاد بالسياسة، وتتشكل من خلالها ملامح سوريا الجديدة التي تحاول إعادة تعريف دورها ومكانتها في العالم العربي.






