أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، رغبته في تحقيق الاستقرار والتوازن بالعلاقات الخارجية مع كافة الدول، بما يضمن لسوريا حقوقها، ويُبعدها عن الصراعات الدولية.
وقال الشرع في مقابلة مع الإخبارية السورية، نشرتها أمس الجمعة، إن سوريا لا تريد أن تكون مع أي دولة في العالم بحالة من القلق والتوتر، مضيفا أن الكرة بملعب الدول التي تريد إثارة الفتن والقلاقل في سوريا.
وأضاف أن “سوريا تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العالم والمنطقة وهذه سياسة واضحة منذ اللحظات الأولى”.
العلاقة مع إيران
أكد الشرع أنه لا يريد قطيعة دائمة مع الإيرانيين، رغم ما ارتكبته إيران وميليشياتها في سوريا، حيث تكبدت طهران خسارة كبيرة بسبب انتصار الثورة السورية.
وأضاف أن “سقوط النظام أدى لإخراج الأذرع الإيرانية من المنطقة وسوريا دخلت في حالة من البرود في العلاقة مع إيران”، مشيراً إلى أن بعض الأطراف الإيرانية لا تزال تنظر إلى أنها خسرت المحور بأكمله بخسارتها لسوريا على أنها أهم موطئ قدم بالنسبة لها”.
ومضى بالقول: “بالنسبة لإيران كان الجرح أعمق بعض الشيء ونحن لا نقول سيكون هناك قطيعة دائمة بيننا وبين الإيرانيين”.
العلاقة مع روسيا
أشار الرئيس السوري إلى رغبته بعلاقات جيدة مع الروس، منوها بوجود علاقات دبلوماسية بين البلدين منذ عقود طويلة.
وقال إن هناك روابط وثيقة ما بين سوريا وروسيا ولدت منذ نشأة سوريا عام 1946، منوهاً إلى أن “سوريا لديها ارتباطات متعددة مع روسيا سابقاً ونحن ورثناها فينبغي الحفاظ عليها وإدارتها بطريقة هادئة ورزينة”.
وذكر أنه “في بداية العمل العسكري كنت أمام عدة خيارات وكان بإمكاننا أن نستهدف قاعدة حميميم وأن نستهدف كل الطائرات الموجودة داخلها”.
وأضاف أن “طائرات شاهين كانت تراقب مطار حميميم من الأجواء لكن الاستهداف كان سيدفع روسيا للدخول بزخم أكبر في المعركة”، لافتاً إلى أنه “اثناء التكتيك في العمل العسكري عملنا على تشتيت الطيران الروسي”.
وكشف الرئيس الشرع أنه “بعد سيطرتنا على حلب بدأنا بفتح العلاقات والتواصل مع روسيا في ذلك الوقت”.
وقال: “إذا بقينا ننظر إلى الماضي فلن نستطيع أن نتقدم إلى الأمام وينبغي أن نتجاوز عقبات الماضي ونتعامل بديناميكية واسعة”، مؤكداً: “المهم أن تبنى العلاقات على أساس السيادة السورية واستقلال قرارها وعلى أساس أن تكون المصلحة السورية أولاً”.
وعندما وصل التحرير إلى حماة – يضيف الشرع – “جرت مفاوضات بيننا وبين روسيا.. وعند وصولنا إلى حمص ابتعد الروس في هذا الوقت عن المعركة وانسحبوا تماماً من المشهد العسكري ضمن اتفاق جرى بيننا وبينهم”.
وأوضح أن “الروس أعطوا التزامات معينة لسوريا الحالية، ونحن أعطينا التزامات، ونحن وفينا بها وهم وفوا بها حتى اللحظة”، مشددا على أن “سوريا استطاعت أن تبني علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الغرب وأن تحافظ على علاقة هادئة مع روسيا”.
ولفت إلى أن سوريا “استطاعت أن تجمع ما بين المتناقضات العالمية الحالية بسبب قوة الحدث الذي حصل ومحبة الناس لسوريا”، حيث “أعادت بناء علاقاتها الدولية والإقليمية بسرعة كبيرة ورأينا محبة كبيرة من معظم دول العالم وخاصة دول الإقليم”.
فتح الباب أمام الاستثمار
ذكر الرئيس السوري أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية رغبة كبيرة في الاستثمار في الداخل السوري، مؤكدا ترحيب الحكومة بالاستثمارات بخلاف النظام الذي كان سابقاً “يخشى من الاستثمارات الخارجية ويخشى أيضاً من الاستثمارات الداخلية”.
وأكد أن “الاستثمار لا يخيف البلد على العكس هو يدفع إلى استقرار فيها وينعكس ذلك على سياسة البلد وعلاقاتها الدولية”، موضحا أن مرور خطوط الإنترنت من سوريا للربط بين الشرق والغرب يوفر بنية تحتية تصل إلى 6 آلاف كم وهو أكثر أماناً، لافتاً إلى أن طرق التجارة البرية ما بين الشرق والغرب بالضرورة تمر من سوريا.
كما إن “العالم يشكو من مسألتين أساسيتين: أمان سلاسل التوريد وإمدادات الطاقة وكلا الأمرين موفر في سوريا”.
وحول مشروع إعادة الإعمار فقد رأى أنه “كلمة صغيرة ولكن فيها تفاصيل كثيرة تستغرق وقتاً طويلاً”، مضيفاً: “لا أحب اللغة التعجيزية ونحن نبدأ بالمتاح وحسب الأولويات ومع هذا لم يكن المتاح قليلاً.. لا نريد لسوريا أن تعيش على المساعدات أو القروض المسيسة والبديل هو فتح البلاد للاستثمار”.
وقال: “أنا مع الاستفادة من تجارب الدول المحيطة مع دمجها مع المعطيات الموجودة داخل سوريا ثم البناء عليها بمشاريع اقتصادية”، منوها إلى أنه “الاستثمارات الخارجية توفر فرص عمل كثيرة للبلد وفي الوقت نفسه هناك استثمارات تعمل أيضاً على إصلاح البنية التحتية”.
واعتبر أن حركة الاستثمار وحركة المال داخل سوريا تنعكس على كل القطاعات، وانفتاح سوريا على الاستثمارات الخارجية يوفر لها أيضاً أسواقاً خارجية.
وذكر الرئيس الشرع أنه “عندما نضع خطة لزيادة الإنتاج في سوريا سواء زراعياً أو صناعياً أو غيرها يجب أن نوفر لها أسواقاً في الوقت نفسه”.
سقف الحرية
اعتبر الشرع أن “سقف الحرية واسع في سوريا والحالة الصحية والسليمة أن يكون هناك أصوات ناقدة”، حيث “تجاوز العالم أي فكرة لحصر الإعلام في بوتقة صغيرة خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأكد أن القانون هو الذي ينبغي أن يحمي حق السلطة ويحمي حق الشعب ويحمي حق المؤسسة نفسها، مضيفا: “أقرأ من ينتقدني والمهم أن يكون النقد صحيحاً ومنبهاً حتى لو كان جارحاً”، مشيراً إلى أنه في “بعض الأحيان النقد يدل على أن الجمهور لا يفهم سياسات الدولة فتحتاج الدولة لتوضيح هذه السياسات”.
وشدد على أنه “لسنا في زمن يقرر فيه الرئيس كل شيء ولا أريد لسوريا أن تكون هكذا ولا أعتقد أن الشعب يقبل بهذا الأمر.. أعتقد أن الحالة الصحية أن تكون هناك حرية واسعة للإعلام وأن تكون الضوابط قليلة”.
الانتخابات والاستقرار الداخلي
أكد الرئيس السوري أن “سوريا استطاعت من خلال الدبلوماسية القوية التي عملت عليها خلال الأشهر التسعة الماضية أن تحقق نسيجاً من العلاقات الخارجية، وتملأ بنفس الوقت فراغ السلطة الداخلي.
وقال إن “سوريا في مرحلة ما بعد التحرير دخلت بعدة مراحل كان أولها ملء الفراغ الرئاسي، ثم ذهبت إلى مؤتمر وطني جامع، ثم تشكيل حكومة ثم انتخابات برلمانية”، مشددا على أنه “يجب أن نراعي أننا في مرحلة مؤقتة والثورات عندما تنجح تنتقل من نظام إلى نظام وتأخذ وقتاً”.
وأوضح أنه “بعد الانتخابات سيأتي صياغة للدستور وسيكون هناك فيه الكثير من التفاصيل لكن السياسة التي اتخذناها أن نعمل في كل الجوانب في وقت واحد، ومجلس الشعب القادم صيغ بطريقة مقبولة كمرحلة انتقالية وليس كمرحلة دائمة، ذهبنا إلى المجالس الانتخابية لتمثيل المحافظات في مجلس الشعب”.
وأضاف: “لا أعتقد أن أحداً يرغب في أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه في السابق، أعتقد أن العالم قد خسر سوريا خلال الأربعين أو الخمس والأربعين سنة الماضية بسبب انعزالها أو كثرة الاضطرابات الحاصلة فيها”.
إسرائيل حزينة على سقوط النظام
رأى الشرع أن بعض السياسات الإسرائيلية تدل على أنها حزنت على سقوط النظام البائد، حيث “كانت تريد من سوريا أن تكون دولة صراع مع دولة إقليمية وميداناً للصراع المستمر وتصفية الحسابات، وكان لديها مخطط لتقسيمها، وكانت تريد أن تكون ميداناً للصراع مع الإيرانيين أو ما شابه ذلك”.
ولفت إلى أن إسرائيل “تفاجأت من سقوط النظام، فقد اعتادت أن تعالج مشاكلها الاستخباراتية وفشلها الأمني في بعض الأحيان باستخدام عضلاتها مع الحذر الزائد في المخاوف الأمنية”.
ولفت إلى رغبته في العودة لمفاوضات اتفاق 1974، قائلا: “نحن الآن في طور مفاوضات ونقاش حول موضوع الاتفاق الأمني مع إسرائيل، التي اعتبرت أن سقوط النظام هو خروج لسوريا من اتفاق عام 1974 رغم أن سوريا أبدت منذ اللحظة الأولى التزامها به”.
ولفت إلى أن إسرائيل أخذت الجانب الأكثر أمناً بالنسبة لها، فبدأت تقصف بعض الأماكن المدنية والعسكرية، وهذا غير مبرَّر، فيما أبدت سوريا التزامها باتفاق 1974 وراسلت الأمم المتحدة وطلبت من قوات الأندوف أن تعود إلى ما كانت عليه.
وبيَّن أنه يجري التفاوض على اتفاق أمني للعودة إلى اتفاق 1974 أو شيء يشبهه، وهذا التفاوض لم ينته بعد.