تُعد قضية الديون السورية لإيران من أبرز الملفات الاقتصادية التي تفرض نفسها على المشهد السوري في مرحلة ما بعد التحرير، فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، لعبت إيران دورًا كبيرًا في دعم نظام بشار الأسد، ولم يقتصر هذا الدعم على الجوانب السياسية والعسكرية، بل امتد ليشمل الجانب الاقتصادي، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة على سوريا.
من جهته، يرى المحامي السوري “عمار محمود يوسف” في حديثه مع حلب اليوم أن إيران تستند في مطالبتها بديونها المستحقة إلى مجموعة من القوانين، إلى جانب المبادئ العامة للقانون الدولي التي تنظم العلاقات المالية بين الدول، ومن أبرز هذه المبادئ مبدأ استمرارية الدول، الذي يمكن أن يشكل الأساس القانوني لمطالبها.
كما يمكن لإيران أيضاً وفق المحامي اللجوء إلى المحاكم الدولية وهيئات التحكيم للمطالبة بحقوقها، وقد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات مثل تجميد الأصول كوسيلة لضمان استيفاء الديون المستحقة”.
وأضاف “يوسف”: “مع ذلك، يمكن للحكومة الجديدة في سوريا أن تستند إلى نظرية “الديون البغيضة” التي تهدف إلى حماية الشعوب من تحمل أعباء ديون لم تُستخدم لصالحها، بل استُخدمت لقمعها أو الإضرار بها، وقد جرى تطبيق هذه النظرية عام 1917 في الاتحاد السوفيتي أثناء الثورة البلشفية”.
وأكد على ضرورة أن “تقوم الحكومة السورية الجديدة بترسيخ شرعيتها والحصول على اعتراف دولي وإقليمي يمكّنها من مراجعة جميع الاتفاقيات المبرمة في عهد الأسد المخلوع عبر مؤسساتها السيادية، باعتبارها تشكل انتهاكهاً لحقوق السوريين من خلال مددها الزمنية الطويلة وعوائدها المالية التي لا تصب في صالح الشعب”.
وتابع المحامي: ” كما استُخدمت القروض لقمع الثورة ضد النظام وتمويل الحرب ضد السوريين مما أضر بالشعب والبنية التحتية، ويمكن للحكومة الجديدة اعتبار هذه الديون غير شرعية، لأنها لم تخدم مصالح الدولة والشعب، بل أُنفقت لإطالة أمد النظام السلطوي، لذلك، ووفقاً لهذه الحجة، يُمكن إسقاط الالتزام بسداد هذه الديون”.
وفي مؤتمر صحفي، صرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن الديون المترتبة على نظام الأسد ستنتقل إلى أي نظام سياسي جديد في سوريا، وفقًا لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ “خلافة الدول”، وهو مبدأ معترف به في القانون الدولي.
وأشار “بقائي” إلى أن الأرقام المتداولة حول الديون الإيرانية، والتي قُدرت بنحو 50 مليار دولار، “مبالغ فيها”، دون أن يفصح عن الحجم الحقيقي لهذه الديون، مضيفاً أن الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين البلدين تُعتبر ملزمة، ولا يمكن إلغاؤها، لأن الالتزامات تنطبق على الدولة بغض النظر عن تغير النظام الحاكم، حسب كلامه.
وخلال الفترة الماضية، سعت الحكومة الإيرانية إلى تحصيل ديونها من بشار الأسد قبل سقوطه، في محاولة لاستعادة أموالها وجني ثمن تدخلها العسكري والسياسي، إلا أن الأزمة المالية التي كان يعاني منها نظام الأسد، والمتمثلة في انهيار الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف سوريا المركزي ونقص السيولة بالدولار، دفعت الأسد لمحاولة التهرب من سداد تلك الديون.
ورغم ذلك، مارست طهران ضغوطًا كبيرة على النظام، ما أسفر عن حصولها على وعود بتسديد الديون، إلى جانب توقيع اتفاقيات شملت استغلال مناجم الفوسفات السورية ومنح تراخيص لتأسيس بنوك إيرانية في دمشق، لضمان جزء من مستحقاتها.
ويأتي الحديث عن الديون الإيرانية في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السورية الجديدة والشعب السوري إلى إعادة بناء دولتهم والابتعاد عن تبعات نظام الأسد الاستبدادي، الذي طالما استغل الموارد الوطنية لخدمة أجندات خارجية تصب في مصلحته الشخصية، على حساب مصلحة السوريين