دعت عدة منظمات وهيئات سورية إلى تخفيف معاناة الأطفال السوريين في يومهم العالمي، حيث تزداد الصعوبات ويُحرم المزيد منهم حقوقَهم الأساسية في اللعب والتعلّم والسكن والغذاء، بسبب ممارسات سلطة الأسد والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية.
وقالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها عن الانتهاكات ضد الأطفال في سوريا، بمناسبة اليوم العالمي للطفل، الذي وافق أمس الأربعاء (20 /11 / 2024)؛ إنها وثقت مقتل ما لا يقل عن 30,293 طفلاً منذ آذار/مارس 2011، منهم 225 طفلاً قضوا جراء التعذيب، بينما لا يزال 5,298 طفلاً قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
من جانبه قال فريق منسقو استجابة سوريا، إن أكثر من 2.3 مليون طفل، يعانون التسرب التعليمي في سوريا، بينهم 386 ألف طفل في الشمال السوري.
ونظم الدفاع المدني السوري وقفة تضامنية مع الأطفال في يومهم العالمي، بالاشتراك مع منظمة “حراس الطفولة”، داخل إحدى المدارس في إدلب رافضين الهجمات على التعليم، ومؤكدين أن “التعليم يجب ألا يكون هدفاً”.
يشير مراسل حلب اليوم، في محافظة إدلب، إلى أن رؤية الأطفال يتهافتون على السيارات عند إشارات المرور باتت معتادة، حيث يحمل بعضهم المناديل “لبيعها”، فيما يحمل آخرون “خرقة” لطلب النقود من السائقين بحجة مسح سياراتهم، ويتسوّل كثيرون مباشرةً، دون أن تتدخل أية جهة لمعالجة وضعهم.
كما بات من المعتاد أن يرى المارة الكثير من الأطفال المشردين النائمين في الشوارع وعلى الأرصفة والحدائق، رغم البرد القارس، دون مأوى أو غذاء، فضلا عن الحرمان من التعلّم.
أما في ريف حلب فالوضع ليس بالأفضل حالا، حيث تعج الشوارع والمخيمات والورش الصناعية بالأطفال واليافعين، المحرومين من الرعاية والحقوق، وفقا لمراسلنا.
وبحسب منسقي الاستجابة فإن الصعوبات والتحديات الهائلة، “لا زالات تواجه ملايين الأطفال شمال غرب سوريا”، مع ارتفاع معدلات الفقر، وتراجع مستويات الاستجابة الإنسانية.
ويتعرض الأطفال في مناطق سيطرة الأسد لأنواع متعددة من الانتهاكات التي طالت البالغين أيضاً، بدءاً من القتل والتشوهات الدائمة الناجمة عن الإصابات، مروراً بالاعتقال التعسفي الذي شمل مئات الأطفال، وانتهاءً بالاختفاء القسري الذي تسبب في ترك آلاف الأطفال مجهولي المصير، بعيدين عن عائلاتهم لسنوات، وفقا لتقرير الشبكة السورية.
ووثّق التقرير “ممارسات التعذيب بأساليب متعددة، والتجنيد القسري لصالح الأطراف المتنازعة، والعنف الجنسي الذي يُعدّ من أبشع الانتهاكات كما شملت الانتهاكات الحرمان من التعليم والخدمات الصحية الأساسية”.
وحول ضحايا التعذيب في مراكز الاحتجاز، فقد أشار إلى أنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وثَّقت مقتل 225 طفلاً بسبب التعذيب في سوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بينهم 216 على يد قوات الأسد بنسبة تصل إلى 96 % من إجمالي حالات الوفيات بسبب التعذيب للأطفال، فيما قتل 3 أطفال بسبب التعذيب على يد قوات سوريا الديمقراطية قسد، وطفلان على يد هيئة تحرير الشام، وطفل على يد تنظيم الدولة، وطفل على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة، فيما قتل طفلان تحت التعذيب على يد جهات أخرى.
وطالت الاعتداءات أيضا المنشآت التعليمية والطبية، وذكر التقرير أنَّ ما لا يقل عن 1,714 مدرسة ورياض أطفال في سوريا تعرضت للاعتداءات، منها 1270 على يد قوات الأسد، و222 على يد القوات الروسية، و48 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و38 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة، و25 على يد كل من قوات التحالف الدولي وتنظيم الدولة، و3 على يد هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى 83 على يد جهات أخرى.
ورصد التقرير استمرار الانتهاكات الجسيمة بحقِّ الأطفال خلال عام 2024، على يد مختلف أطراف النزاع، حيث شملت هذه الانتهاكات القتل، الإصابات الخطيرة، التشويه، التجنيد القسري، الاعتقال التعسفي، الاختفاء القسري، والتعذيب.
وأكد منسقو الاستجابة، أن هجمات قوات الأسد وروسيا دمرت مئات المدارس وبلغ عدد المدارس التي أُخرجت عن الخدمة أكثر من 891 مدرسة بينها 266 منشأة تعليمية شمال غرب سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويؤكد الدفاع المدني السوري، أن الأطفال السوريين يواجهون تحديات هائلة مع استمرار حرب قوات الأسد وروسيا وحلفائهم، حيث تؤثر على حياتهم ومستقبلهم، فملايين الأطفال أجبروا على ترك منازلهم، ومنهم من أجبر على العيش في مخيمات تفتقر إلى الأساسيات، ومنهم من حرم من حقه في التعلّم، وأثّر نقص الخدمات الصحية الأساسية على صحة الأطفال، وأضرّت بيئة العنف في الشمال السوري على صحتهم النفسية بشكل كبير.
ونوّه بأن هجمات قوات الأسد وروسيا وحلفائهم قتلت 19 طفلاً منذ بداية العام الحالي 2024 حتى يوم 10 تشرين الثاني، وأصابت 137 طفلاً بجروح منها بليغة وحالات بتر أطراف في مناطق الشمال السوري.
وعلى الرغم من الجهود التي تتحدث عنها المنظمات الإنسانية، إلا أن الاحتياجات الهائلة تتجاوز بكثير ما يتم توفيره، فالنظام الصحي في سوريا تدهور بشكل كبير، ما جعل الأطفال عرضة للأمراض والأوبئة، كما أن هناك نقصا حادا في الأدوية والخدمات الصحية، وتفشي الأمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال، التي كان يمكن الوقاية منها في ظروف طبيعية.
تقول الأم الثلاثينية “رغدة .ع” لموقع حلب اليوم، إنها فوجئت بأعداد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية، لدى زيارتها لإحدى المراكز الطبية في أعزاز شمال حلب.
وأوضحت أن معظم تلك الحالات تأتي من مخيمات النزوح، حيث يتم تقديم بعض المعونات الطبية في مراكز مخصصة لمكافحة سوء التغذية بسبب تحوله لظاهرة منذ سنوات، لكن الفجوة كبيرة بين ما يتم تأمينه وما هو مطلوب.
ويشتغل بعض الأطفال واليافعين في مهن شاقة، بعد دوامهم المدرسي، حيث يصرّون على متابعة تعلمهم رغم الصعوبات، فيما يقاسي آخرون للوصول إلى مقاعد الدراسة ويقطعون مسافات بعيدة من مخيماتهم الغارقة بالطين، وسط البرد والمطر.
يعمل محمد في ورشةٍ لإصلاح السيارات، بسبب الحاجة الماسة لتأمين معيشة عائلته في ظل الأوضاع المتدهورة في الشمال السوري، ويقول للخوذ البيضاء إنه يحلم بيومٍ يستطيع فيه تحقيق حلمه بالعودة إلى المدرسة والعيش بأمان، ليتمكن من تعلم ما يساعده في بناء مستقبله وتحقيق طموحاته والتمتع بحقوقه.
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة، أن الأطفال في سوريا يعانون مستويات مقلقة من سوء التغذية نتيجة ندرة الموارد الغذائية، الأمر الذي يتفاقم في الشمال السوري.
كما يعيش هؤلاء الأطفال تحت تهديد دائم بالعنف، حيث قتل الآلاف منهم أو أصيبوا جراء القصف والاشتباكات، كما تم استخدام بعض الأطفال كجنود أو استُغلوا في أعمال خطرة، ما جعل العنف النفسي جانبا مهما من معاناتهم.