تستمر موجة النزوح الجماعي للعائلات اللبنانية والسورية نحو الأراضي السورية نتيجة التصعيد الإسرائيلي العنيف على لبنان.
وذكرت مراسلة قناة حلب اليوم في دمشق أن الحدود السورية-اللبنانية، وخاصة معبر المصنع الذي يربط لبنان بجديدة يابوس في ريف دمشق، شهد ازدحاماً كبيراً بسبب تدفق آلاف السيارات الهاربة من القصف، والتي قُدرت أنها تحمل ما يزيد عن 2000 شخص من النازحين، معظمهم توجهوا إلى ريف دمشق، حمص، وطرطوس.
وقالت مراسلتنا إن حركة النزوح مستمرة أيضاً عبر معبر جوسيه في ريف حمص الجنوبي، حيث تُشاهد مئات السيارات، وهي تعبر يومياً.
التقت مراسلتنا مع أحد النازحين من قرية حاصبيا جنوبي لبنان، المدعو “أبو محمد” والذي وصل إلى دمشق: “غادرنا لبنان بسبب القصف، كنا في وضع خطر جداً، لذلك قررنا المغادرة بأي وسيلة متاحة”.
وأضاف: “الطريق كان طويل وشاق، ومعظم العائلات كانت قلقة من القصف المستمر، مؤكداً أن قرار المغادرة كان اضطرارياً لأنه “لم يكن هناك مكان آمن” في لبنان.
أما خديجة، وهي أم لثلاثة أطفال، فقد تحدثت بحرقة عن اللحظات التي سبقت قرارها بالرحيل من منزلها الواقع في قرية “الزهراني” في الضاحية الجنوبية: “الوضع كان لا يحتمل، كل يوم يزداد الوضع سوءاً، كنا نسمع أصوات القصف من كل مكان، وقررت أن نغادر حفاظاً على حياة أطفالي، وحقيقةً لا أعرف إلى أين سنتجه بعد، لكن الأمان هو ما نبحث عنه.”
تسلل عبر ممرات غير شرعية
بدورها، نقلت مراسلة حلب اليوم عن عائلة سورية استقبلت أقارب لها كانوا لاجئين في لبنان، أن بعض هؤلاء النازحين اضطروا لاستخدام ممرات غير شرعية للدخول إلى سوريا.
وأضافت العائلة -التي رفضت الإفصاح عن هويتها- أن أقاربهم قرروا الانتظار في سوريا حتى تتضح الأمور، موضحةً: “إما أن يعودوا إلى لبنان من نفس الممرات غير الشرعية، أو يحاولوا تسوية وضعهم مع الأجهزة الأمنية السورية للبقاء هنا… لا أحد يعرف ما سيحدث”.
وأشار أبو أحمد، لحلب اليوم، وهو أحد أفراد العائلة التي استقبلت النازحين، إلى أن الوضع الأمني والاقتصادي في لبنان دفع الكثيرين إلى المغادرة.
وأضاف: “من الصعب أن يعيشوا في بلد يواجه مثل هذا التصعيد، خاصة عندما يكونون لاجئين وغير مستقرين، فالبعض لا يملك خياراً سوى المغادرة، حتى لو كان ذلك عبر طرق غير قانونية.”
تباين في الآراء حول استقبال النازحين
اختلفت آراء المواطنين السوريين حول استقبال النازحين اللبنانيين، حيث أبدى البعض تعاطفاً كبيراً مع العائلات الفارة من الحرب، إذ استذكروا معاناتهم خلال سنوات الحرب، إذ يقول أبو خالد، من سكان ريف دمشق لحلب اليوم: “نحن كسوريين مررنا بنفس الظروف، ونعلم ما يعنيه أن تترك بيتك، وكل ما تملك هرباً من القصف، فمن واجبنا أن نساعدهم ونفتح لهم بيوتنا.
فيما قالت السيدة “أم أحمد” من سكان جديدة عرطوز، لحلب اليوم: “أشعر أنني مضطرة لمساعدتهم، ليس فقط لأنهم لبنانيون، بل لأنني أرى فيهم نفسي وأطفالي قبل سنوات، حين كنا نعيش تحت القصف، لم يكن لدينا أحد يساعدنا، وأتمنى أن يجدوا الأمان هنا.
لكن في المقابل، عبّر آخرون عن قلقهم من تأثير النزوح على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، إذ قال مهند.ع، أحد سكان ريف دمشق: “الوضع الاقتصادي صعب جداً، نحن بالكاد نتمكن من العيش في ظل هذه الظروف، فالأسعار ترتفع يومياً، ولا نملك طاقة لاستقبال المزيد من الناس.
وأضاف: “اليوم نحن نبحث عن بيوت للإيجار لهؤلاء النازحين ولا نجد، كل شيء غالٍ وصعب.”
توقعات بارتفاع الأسعار
وفي هذا السياق، أعرب العديد من أهالي دمشق عن خشيتهم من أن يؤدي تدفق النازحين إلى ارتفاع إضافي في أسعار إيجارات المنازل، إذ قال المدعو “فارس.ه”، وهو مالك متجر غذائي بدمشق: “خلال سنوات الحرب وحركة النزوح الداخلي من المناطق الساخنة، ارتفعت إيجارات المنازل بشكل كبير جداً، وارتبطت بشكل غير معلن بسعر صرف الدولار، الذي يصل اليوم إلى نحو 14,700 ليرة سورية للدولار الواحد، وقد يحدث الأمر نفسه الآن.”
وأوضح في أثناء حديثه مع حلب اليوم على أن متوسط الإيجارات في دمشق اليوم يتراوح بين مليون وأربعة ملايين ليرة شهرياً، في حين أن الإيجارات خارج العاصمة تنخفض إلى ما دون المليون ليرة، لكنها تبقى أعلى من قدرة المواطنين السوريين.
وأضاف: ما يثير القلق هو أن أسعار الإيجارات في سوريا أرخص بكثير من نظيرتها في لبنان، مما قد يدفع المؤجرين إلى استغلال الوضع ورفع الأسعار بشكل غير مسبوق.
ارتفاع أسعار المحروقات في المناطق الحدودية
إلى جانب الإيجارات، تقول مراسلتنا إن المناطق الحدودية تشهد ارتفاعاً في أسعار المحروقات المهربة من لبنان، خاصة البنزين والمازوت.
ونقلت مراسلتنا عن مصادر مطلعة أن سعر لتر البنزين ارتفع إلى 20 ألف ليرة سورية منذ يوم الأربعاء، بعد أن كان 12 ألف ليرة سورية قبل يومين فقط، وقد أرجع السكان هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب الناتجة عن تدفق النازحين من لبنان.
في ظل هذا التصعيد الإسرائيلي على لبنان، تبقى أعداد النازحين مرشحة للزيادة في الأيام المقبلة، وسط مخاوف السوريين من تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في بلادهم، وبينما يتعاطف البعض مع الأزمة اللبنانية، يرى آخرون أن الأوضاع في سوريا لا تحتمل مزيداً من الضغوط الاقتصادية، وفقا لمراسلتنا.