دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الولايات المتحدة الأمريكية للسماح لكييف بمزيد من التوغل في الأراضي الروسية، وتزويدها بصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي،
جاء ذلك بعد أن التقى ممثلو الرئيس الأوكراني بمسؤولين أمريكيين كبار في واشنطن يوم السبت الفائت، حيث ألقى زيلينسكي خطابه المصور المسائي.
وفي تعليقه على ذلك، قال المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، لموقع حلب اليوم، إن واشنطن حريصة على إبقاء دعمها لأوكرانيا في إطار محدد ضمن حسابات دقيقة، لتجنب الانزلاق نحو عواقب خطيرة.
وقدمت الولايات المتحدة لكييف مساعدات عسكرية تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار منذ عام 2022، حتى اليوم، وذلك وفقا للأرقام المعلنة، كما حظيت الأخيرة بدعم أوروبي من عدة دول.
ويشترط الدعم الغربي على الأوكرانيين قصر استخدام تلك الأسلحة على الأراضي الأوكرانية والعمليات الدفاعية عبر الحدود، حيث يأتي الخرق الذي حدث في كورسيك ضمن ذلك الإطار.
ويقول العقيد أيوب، إن الحل في النهاية لن يكون إلا بالجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى اتفاقات دائمة تجعل أوكرانيا دولة محايدة بعيدة عن التجاذبات السياسية والعسكرية بين حلف الناتو وروسيا، لافتا إلى أن الغرب دعم زيلينيسكي بالطائرات والدبابات والمركبات وبأفضل أنواع منظومات الدفاع الجوي في العالم، و “ما زال حتى الآن يراوح في مكانه، فزيادة الدعم العسكري لا تؤدي إلا إلى مزيد من الويلات للشعب الأوكراني”.
وقال الأخير في خطابه المصور المسائي إن “تطهير سماء أوكرانيا من القنابل الجوية الروسية الموجهة خطوة قوية لإجبار روسيا على السعي إلى إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل”، مضيفا في نداء وجهه إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا: “نحن بحاجة إلى القدرات اللازمة لحماية أوكرانيا والأوكرانيين بشكل حقيقي وكامل، نحن بحاجة إلى كل من الموافقات للقدرات طويلة المدى وكذلك قذائفكم وصواريخكم طويلة المدى”، مؤكدا أن ممثليه “قدموا كل التفاصيل اللازمة” لشركاء أوكرانيا.
وحول الحديث عن “الشركاء” لفت العقيد أيوب إلى أن “الحرب لا تدور بين روسيا وأوكرانيا فحسب بل تدور بين حلف الناتو و الروس”، مضيفا أن الغرب حال دون اجتياح بوتين لأوكرانيا؛ الأمر الذي كان ليحدث منذ الأسبوع الأول، لكن كان هناك الدعم السخي اللامحدود بكل أنواع الأسلحة المتطورة وكل أنواع المساعدة العسكرية بدءا من الأقمار الصناعية إلى طائرات التجسس والرادارات والطائرات الحربية إلى راجمات صواريخ هيمارس والصواريخ الأوروبية وما إلى ذلك.
وتمكن الأوكرانيون من دخول الأراضي الروسية موخرا، واحتلال أكثر من 1000 كيلو متر مربع في كورسيك، فيما بدا الجيش الروسي عاجزا عن استعادتها حتى الآن، وهو ما رآى فيه محللون مؤشر ضعف لجيش بوتين.
لكن أيوب يرى أن الروس يعتمدون إستراتيجية معينة، طويلة المدى، وأن الخرق الذي قام به الجيش الأوكراني هو فعليا خرق أوروبي و ليس أوكرانيا و”بالنظر إلى مساحة روسيا البالغة 17.5 مليون كيلو متر مربع، فلا يمكن اعتباره خرقا، حيث يمتد لعدة كيلو مترات بعرض عدة كيلو مترات”.
وبحسب ماقاله وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف، فإن المطارات الروسية المستخدمة لقصف المدن الأوكرانية كانت في مرمى الضربات العميقة، مضيفا “لقد أوضحنا نوع القدرات التي نحتاجها لحماية المواطنين ضد الإرهاب الروسي، لذا آمل أن نجد آذانًا مصغية”.
وفيما تبدو القوات الأوكرانية ثابتة في كوسيك، حقق الجيش الروسي مؤخرا تقدما على الجبهة الشرقية، حيث يعتمد خطة “دبيب النمل”، وفقا للعقيد السوري.
وتقوم تلك الخطة التي استخدمها الروس للسيطرة على حلب في وقت سابق؛ على القضم البطيء والتدريجي للأراضي مع استنزاف قدرات العدو، حيث “يريد الغرب أيضا أن يستنزف الروس ويستخرج ما لديهم من قوى ومن أسلحة.. ليس من أجل أن يحرروا أوكرانيا وإنما من أجل أن يستطلع ما لدى روسيا من قوة”.
ومع اعتبار أن الحرب التي جرت في أوكرانيا هي “حرب أمريكية بامتياز من أجل إذلال أوروبا ونهب ثرواتها وقطع سبل التواصل الاقتصادي الذي كان بينها وبين روسيا الغنية بالمعادن والنفط والغاز وأوروبا الفقيرة لذلك”؛ تزداد خيوط اللعبة تعقيدا.
وكانت هناك علاقات اقتصادية قوية، بين موسكو ودول الاتحاد الأوروبي، خاصة بين الألمان والروس، ولكن بعد هذه الحرب تقوضت العلاقات الأوروبية الروسية إلى الحدود الدنيا و”أصبحت هناك حمى لشراء الأسلحة الأمريكية والاحتماء بها أو تعزيز القوات الأوروبية ولمد أوكرانيا بالسلاح وما إلى ذلك أيضا”، لذا يرى العقيد أيوب أن “المستفيد الأول من هذه الحرب هي الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل اقتصاديا وعسكريا”.
وتحدث أوميروف عن “خطة للنصر” سيتم تقديمها إلى الرئيس جو بايدن قدل نهاية فترة وجوده في البيت الأبيض، حيث توجد مخاوف من وصول ترامب المعروف بعلاقته الجيدة مع الروس إلى السلطة.
من جانبها قالت وزيرة الاقتصاد يوليا سفيريدينكو، التي ترأست وفد كييف، إنها ناقشت الخطوات اللازمة لاستعادة نظام الطاقة في أوكرانيا، بموجب تمويل قطاع الطاقة بقيمة 800 مليون دولار كان قد تم الإعلان عنها في يونيو، حيث أن الضربات الجوية الروسية “أثرت على أكثر من نصف البنية التحتية للكهرباء في أوكرانيا”.
مخاوف من الأسوأ
منذ اليوم الأول للحرب هدد الروس صراحة باستخدام الأسلحة النووية، وهو ما تقول الدول الغربية إنها لا ترغب في الانزلاق إليه مطلقا، لكن طلب زيلينيسكي دعما أكبر من أجل تعميق الهجوم في روسيا “قد يدفع بوتين إلى استخدام أسلحة تدمير شامل”، بحسب المحلل العسكري أيوب.
ويضيف أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو أسلحة التدمير الشامل سواء الكيميائية أو البيولوجية أو النووية وغير ذلك.. سيؤدي ربما إلى اندلاع حرب عالمية، وبالتالي فهم متمسكون بما يسمونه “الصبر الإستراتيجي” حيث يقاتلون (الجيش الأوكراني) الذي تقوده القوات الغربية وقادة الغرب البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون وما إلى ذلك، بالحد الأدنى من القوة والعتاد، فهم “يلجأون إلى استنزاف القوى الغربية”.
وتخطى حجم الدعم الأوروبي مع الأمريكي حاجز المئة مليار دولار، وهذه – وفقا للعقيد – “مبالغ كبيرة جدا فهناك أكثر من 50 دولة في العالم لا تصل ميزانيتها إلى مئة مليار دولار، فيما تلجأ أوكرانيا كل فترة إلى طلب الدعم والمساعدة والسماح لها بالهجوم أكثر باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد المدن الروسية”.
ويبدو أن هناك حدودا وقيودا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على تسليح أوكرانيا، “فهم يريدون أن يصلوا إلى حد معين لا أن يصلوا إلى الحدود القصوى و يعرفون أن الوصول إلى الحدود القصوى مع روسيا سيدفعها إلى الحل باستخدام “نظرية شمشون الجبار” القائلة: “علي وعلى أعدائي” حيث قد يستخدمون كل ما لديهم وبالتالي تندلع حروب تنخرط فيها كل الدول تكون لها ويلات كبيرة”.
ولا يزال الأوروبيون والأمريكان بصدد “دعم أوكرانيا للوصول إلى حد معين لا أن يكون هناك اندحار للجيش الروسي وما إلى ذلك.. نحن الآن نرى أن هناك تقدما روسيا في الجبهة الشرقية، الروس حتى الآن يسيطرون على حوالي 130 ألف كيلو متر أي أكثر من 20% – 25% من مساحة أوكرانيا”.
واستبعد أيوب أن تقدم واشنطن في المستوى المنظور دعما بعتاد أكثر تطورا، ففي النهاية “الحل المثالي لهذه الحرب هو الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل لاتفاقية.. لا بديل عن المفاوضات وهي أرخص بملايين المرات ومليارات المرات من البقاء في ساحة المعركة.. فروسيا دولة صناعية وهي من الدول الأولى في العالم التي تصنع السلاح، ولا يمكن كسر الروس باحتلال 100 ألف كيلو متر أو مليون كيلو متر مربع من أراضيهم، كما أن ما تستخدمه روسيا من الجيش لا يزيد عن 5% – 10% فهي بلد كبير جدا وإلى الآن ليس هناك نفير عام”.
ويتعامل الروس حتى الآن مع المجريات على أنها “شبه تكتيكية وليست إستراتيجية” حيث يحاولون “استنزاف أموال الغرب، في المقابل أمريكا تستنزف روسيا وتعطل عجلتها الاقتصادية”.
وتتكبد روسيا منذ اندلاع الحرب خسائر مادية كبيرة، وفقا لتقارير متقاطعة، فضلا عن العقوبات الغربية المتلاحقة ضدها، حيث يسعى الغرب أيضا لاستنزافها ماليا وعسكريا في آن معا.
ويقول متابعون إن ما حققته روسيا من تقدم في الأيام الأخيرة كان حاسما، وربما يؤدي لمكاسب أكبر من تلك حققتها أوكرانيا في هجومها عبر الحدود في منطقة كورسيك، حيث أصبحت القوات الروسية على بعد بضعة كيلومترات من مدينة بوكروفسك الأوكرانية، وهي مركز لوجستي حيوي يستخدمه الجيش هناك، كما تُعد هذه المدينة الأوكرانية، التي تحتوي على محطة سكة حديد رئيسية وطرق رئيسية، نقطة إمداد وتعزيز أساسية للقوات الأوكرانية على خط المواجهة الشرقي.