انخفض عدد السوريين في تركيا، بشكل كبير، خلال الأشهر الماضية، جراء حملات الترحيل وتشديد القيود والقوانين، فضلا عن تغير الأوضاع الاقتصادية.
وبالرغم من تأكيد كثير من الأتراك حاجة المجتمع لليد العاملة السورية، في شتى المجالات، وتضرر قطاعات عدة من جراء انخفاض تعداد السوريين، إلا أن الحكومة تواصل تشديد الشروط والقيود، ما يدفع الكثيرين للتفكير في مغادرة البلد.
وتشكل أوروبا الوجهة الأولى التي يرغب السوريون في الذهاب إليها، من أجل الحصول على اللجوء، والتمتع بالاستقرار، لكن ذلك ليس متاحا للجميع، حيث يتطلب دفع أموال طائلة للمهربين، فضلا عن المخاطر والمتاعب الجسدية والنفسية الكبيرة التي يحويها الطريق في انتظار المهاجر، وتلك الأسباب مجتمعة دفعت الشاب “حسام. ع” من حماة، للعودة إلى الشمال الغربي من بلده.
يقول حسام، في حديثه لحلب اليوم، إنه لا يزال يرغب في المغادرة نحو أوروبا، لكن سنوات العمل الخمسة التي قضاها في تركيا، لم تمكنه من جمع المبلغ الكافي، والذي يتجاوز 7 آلاف دولار، وذلك إذا كان الانطلاق من الأراضي التركية.
ويؤكد مراسل حلب اليوم في إدلب، أن إيجارات البيوت ارتفعت بنحو الثلث، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك جراء زياد الطلب الناجمة عن عودة عدد كبير من السوريين في تركيا، وأيضا لبنان، كما ارتفعت الإيجارات بنسبة أقل في ريف حلب الشمالي.
وبحسب صحيفة يني شفق، فقد بلغ عدد السوريين الذين “عادوا” من تركيا إلى بلادهم 132 ألفًا منذ بداية العام الحالي 2024 حتى اليوم، وذلك نقلا عن وزارة الداخلية.
ولم تكن عودة هؤلاء طوعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وفقا لما يؤكده حسام، حيث يقول إن الحملات لا تتوقف، وإن الترحيل لا يحتاج لأسباب قوية، حيث يتم إرسال أعداد كبيرة يوميا نحو الحدود، مما يخلق ضغطا نفسيا على اللاجئ يدفعه في التفكير بأن يعود طواعية قبل أن يتعرض للترحيل القسري.
ويضيف الشاب العشريني أن غلاء الأسعار مؤخرا، لم يصاحبه رفع مناسب للأجور، وذلك فقط بالنسبة للعمال السوريين والأجانب، حيث لا تتم مراعاة تطبيق القوانين بالدرجة الكافية عندما يتعلق الأمر باللاجئ، وهو ما جعل الاستمرار في البقاء هناك أمرا صعبا بالنسبة له، خاصة مع انتشار الحواجز ونقاط التفتيش التي تعمل على توقيف المارة واستجواب الأجانب منهم.
وتقول وزارة الداخلية إنها أنشأت شبكة مراقبة في النقاط المزدحمة بالمدن باستخدام “نقاط الهجرة المتنقلة”، والتي – بحسب ناشطين سوريين – تنتشر في الأسواق وبشكل خاص في أماكن تواجد السوريين.
وتم هذا العام، استجواب مليون و187 ألف و796 أجنبيًا من خلال شبكة بيانات GöçNet، وقررت الداخلية أن 126 ألفاً و766 من الحالات التي تم استجوابها غير قانونية، كما تم ترحيل 163 ألفاً و745 أجنبياً ممن تبين أنهم يتجولون داخل البلاد.
وشهد عدد السوريين في تركيا، تصاعدا مستمرا، منذ نهاية عام 2011 وقد زاد بشكل كبير، عام 2016 عقب التدخل العسكري الروسي، واستمر التصاعد حتى بلغ العدد ذروته ربيع عام 2023 الفائت، حيث وصل إلى نحو 3.74 ملايين شخص، وفقا للبيانات والأرقام الرسمية.
ومع تتابع الحملات منذ الصيف الماضي وحتى اليوم، انخفض هذا العدد إلى 3.1 مليون سورياً مسجلاً تحت بند الحماية المؤقتة، وفق البيانات الصادرة عن إدارة الهجرة، عدا عن السوريون الذين يعيشون في تركيا بتصريح إقامة.
وبالعودة إلى الصحيفة فقد قالت إن عدد السوريين الذين “عادوا طوعًا إلى بلادهم” منذ العام 2016 وحتى اليوم بلغ 678 ألف شخص، فيما “تستمر عودتهم إلى المناطق الآمنة التي بدأت تركيا إقامتها شمال سوريا في عام 2016”.
وذكرت “يني شفق” أن تركيا بدأت بإنشاء تلك المناطق في شمال سوريا عام 2016، بعد “تطهير منطقة مهمة من الإرهاب بالعمليات التي أطلقتها بعملية درع الفرات صيف عام 2016، وقد تم إجراء استثمارات في البنية التحتية والبنية الفوقية لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق الآمنة”.
وتجاوز عدد السوريين الذين “عادوا إلى بلادهم طوعا” خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي وحده 132 ألفا حتى آب/أغسطس، فيما يبلغ عدد الأجانب الذين انتهت مدة إعفاءهم من التأشيرة أو الإقامة وغادروا بمفردهم 463 ألفاً و652، كما تم “ترحيل 163 ألف مهاجر غير شرعي”.
وأكدت الصحيفة منع 202 ألف و705 مهاجرين غير نظاميين من دخول البلاد، وذلك “بفضل الجدار الأمني المبني على الحدود”.
وكانت مصادر إعلامية قد تحدثت عن اتفاق غير معلن مع هيئة تحرير الشام، لتنسيق الجهود وإطلاق دوريات مشتركة على الحدود من أجل ضمان إحباط كافة محاولات العبور.
يقول الرجل الأربعيني “محمود طه” إنه غادر الشمال السوري، عقب 3 محاولات لعبور الحدود وصفها بالمضنية جدا، حيث كان عليه أن يصعد الجبال ليصل الحدود رفقة المهربين، ثم يغامر باجتياز الأسلاك الشائكة، ليتم إمساكه مرتين من قبل القوات الحدودية التركية، واحتجازه، قبل إعادته لسوريا.
وعانى من أوضاع وظروف قاسية، على مدى عشرين يوما، أنفق فيها الكثير من المال، فضلا عما دفعه للمهربين، فيما عليه الآن أن ينجو من حملات التفتيش المستمرة داخل تركيا، ويصل إلى الحدود الشمالية الغربية للبلاد، وهي مهمة أيضا صعبة.
باتت رحلة السوري الراغب في الهجرة نحو الأراضي الأوروبية مرهقة جدا، ومكلفة، ولكن لا خيارات أخرى متاحة، وفقا لمحمود، الذي يؤكد أنه لم يعد بإمكانه احتمال مصاريف أولاده الثلاثة، فضلا عن تأمين مستقبله قبل مستقبلهم، كما يقول.
يذكر أن الشمال الغربي يعاني ارتفاعا في الأسعار، وفي معدلات الفقر، مما يزيد من الضغط المعيشي على السكان، الذين باتوا أمام تحديات كبيرة من اجل تأمين أبسط مقومات المعيشة اليومية.
ويعيش 75% من الشبان في المنطقة حالةً صعبةً من البطالة، وفقا لآخر تقديرات فريق منسقي استجابة سوريا، التي نشرها منذ أيام، كما تصل البطالة في صفوف الإناث إلى 93%، وذلك بالنسبة للسكان المحليين.
أما بالنسبة للمهجرين فترتفع نسب البطالة لتشمل نحو 90% من الشبان، و97% من الإناث، مع العلم بأن الكثير من الأعمال مؤقتة وغير مستقرة.