لا تزال الهزات الأرضية مستمرة في تركيا رغم مضي نحو 16 شهرا على زلزال كهرمان مرعش المدمر، مما يتسبب بحالة من القلق في أوساط السكان، وسط أحاديث عن توقعات بزلزال آخر ربما يكون أشد تدميرا في إسطنبول.
وفيما تطال تلك الهزات الشمال السوري بدرجة خفيفة، تقع بعضها في وسط وغربي سوريا، من حين لآخر، وربما وقع بعضها في المنطقة الشرقية. فهل ما نزال في نطاق الهزات الارتدادية؟
يقول المهندس السوري الخبير في الطقس والزلازل، أنس الرحمون، لموقع حلب اليوم، إن ما يحدث من هزات هي ارتدادية وهو أمر طبيعي، لكن المنطقة “مؤهلة لزلزال آخر قد يحدث وقد لا يحدث”.
من جانبه، يرى أيضا أحمد يوسف، وهو خبير سوري في الطقس والزلازل أننا لا نزال في طور تفريغ الطاقة، لكن الوضع يشير ربما إلى زلزال آخر قد يقع بالمنطقة.
أين تقع المناطق الخطرة؟
يجري الحديث عن زلزال كبير محتمل في إسطنبول، ومع النظر إلى الكثافة السكانية فيها، فإن النتيجة قد تكون كارثية، وهو ما دفع السلطات التركية مؤخرا للتحرك من أجل إجراء عملية إعادة تقييم شاملة للمباني، خاصة القديمة منها.
لكن يوسف يرى أن الخطر لا يقتصر على إسطنبول، بل قد يتكرر في نفس المنطقة بجنوب غربي البلاد، وربما يطال أيضا الأراضي السورية.
ولفت إلى أن مناطق سورية شهدت عام 2022 هزات متوسطة الشدة ضمن نطاق 4 ريختر وعمق مختلف بين ضحل وعميق وأيضا، و معها شهدت ولايات هاتاي والعثمانية وعنتاب وكهرمان مرعش عشرات الهزات متنوعة الشدة، موضحا أنها كانت “تحذيرا مسبقا” للزلزال الأكبر في 6 شباط فبراير 2023 وكانت قوته 7,8 ريختر والهزة الارتدادية بشدة 7,6 ريختر.
وعند حدوث الزلزال الأول والهزة الارتدادية نتجت عشرات الهزات الارتدادية إلى حين وصول الطاقة إلى صدوع أنطاكيا وحدث الزلزال في انطاكيا بشدة 6,4 ريختر، ما أتبعه هزة أرضية ارتدادية بشدة 5,8 ريختر بتاريخ 20 شباط فبراير 2023.
وأوضح الخبير السوري أن الآلاف من الهزات الارتدادية بالمنطقة نتجت عن زلازل شباط، ومازالت هذه الهزات تفرغ الطاقة من الصدوع.
ويرى رحمون أن الحديث عن زلزال إسطنبول ليس وليد اللحظة، وليس ردة فعل على حدوث زلزال مرعش، فقد كان متوقعا ضمن العقد الأول من هذا القرن، أي بين الألفين والألفين وعشرة، ولكن مثل هذا النوع من الزلازل لا يمكن أبدا إعطاء إطار زمني دقيق لوقوعه.
وحتى اللحظة لا يمكن التنبؤ بالزلزال، ولكن يمكن إعطاء إطار زمني فضفاض جدا لتوقيف حدوثه، وهو متوقع لكن لا يشترط وقوعه في إسطنبول، فقد يكون في إزمير أو أي مكان على صدع شمال الأناضول الذي يعتبر من الصدوع النشطة ويتم الحديث عنه منذ أكثر من 15 سنة، وفقا لرحمون.
وأكد يوسف أن انتقال الطاقة عبر صفيحة الأناضول غربا، لابد أن يؤدي لتفريغها في وقت ما، يتوقعه العلماء ضمن 5 سنوات من عمر زلازل جنوب الصفيحة الأناضولية، لكن الخطر كبير على إسطنبول التي تقع نهاية الفالق الشمالي لصفيحة الأناضول أو فالق إسطنبول – بحر مرمرة باتجاه إيجا.
ولفت إلى أن هذا الزلزال إذا حدث، فإن “عواقبه خطيرة جدا” لأن المنطقة مكتظة بالسكان والأبنية غالبتها قديمة، ولا تتحمل أي هزات ضمن 5 و6 و 7 و8 ريختر.
ولكن إسطنبول ليست وحدها ضمن دائرة الخطر، حيث يقول يوسف، إنه يتوقع أن يحدث زلازل ضمن 6 ريختر في ولاية كهرمان مرعش أو ولاية ملاطية بسبب شدة الضغوط من تحرك الصفيحة العربية التي هي أيضا تتعرض لضغوط التحرك شمال غرب سوريا مع جنوب تركيا وشمالا باتجاه شمال شرق العراق، مضيفا أن انزلاق الصفيحة العربية تحت الولايتين مؤشر للخطر.
وقال يوسف: إذا عادت الهزات الأرضية متوسطة القوة ضمن 4 ريختر إلى وسط وشمال غرب سوريا، فسيكون الخطر قريبا على ولاية كهرمان مرعش بالضبط ثم أنطاكيا لكون انتقال الطاقة من كهرمان مرعش باتجاه ولاية إسكندرون هاتاي.
ماذا عن الوضع في سوريا؟
لوحظ خلال العام الماضي وجود نشاط في وسط وغرب سوريا، وأيضا بالمنطقة الشرقية، وحول ما إذا كان ذلك يدل على حالة من الضغط الداخلي على الصفائح في تلك المناطق، قال رحمون إن إحصائيات الهزات الأرضية الارتدادية تشير إلى أنها يمكن أن تمتد لما بين أشهر وحتى عام وإلى عامين أو أكثر، وذلك “بعد الضربة الرئيسية”.
وأضاف: جميعنا لاحظ أن التواتر انخفض والشدات انخفضت، و فيما يتعلق بوسط وغرب سوريا وحتى المنطقة الشرقية، فتوجد هزات ارتدادية، وأخرى متحرضة وهي التي تنتج عن توزع الضغوط، وتخلخل الضغوط على الصدوع، وتكون بعيدة عن مركز الزلزال.
ويرجح أن تكون هذه الهزات الأرضية ناتجة عن زلزال مرعش أو ربما ناتجة عن توزع الضغوط لأن الصفيحة العربية التي تقع تحتنا في سوريا تتحرك بشكل دائم بحركة بسيطة باتجاه شمال غرب باتجاه وهو ما يؤدي إلى ضغوط على صدع البحر الميت، وعلى صدع شرق الاناضول، وعلى الصدوع التفريعية مثل صدوع السلسلة التدميرية، وصدوع جبل عبد العزيز في الحسكة، وهناك صدع تفريعي في إدلب وآخر في أخترين شمال حلب.
وأوضح أن هذه الصدوع التفريعية الصغيرة تحصل عليها بعض الضغوط التي يتم تفريغها من وقت لآخر بمشيئة الله تعالى على شكل هزات أرضية.. فالتفسير إما هزات متحرضة بسبب زلزال شباط أو بسبب الضغوط المتواصلة فبطبيعة بطبيعة الحال الأرض لها حركة دائمة ولا تقف، و الصفائح التكتونية دائما تتحرك، وبحدوث أي ضغط وتجميع لهذه الضغوط يتم تنفيسها عن طريق هذه الهزات الأرضية البسيطة.
من جانبه لفت يوسف إلى أن نهاية الصفيحة العربية معروفة بكثرة الصدوع وتفريغ الطاقة عبر هذه الصدوع؛ منها صدع قوس كلس – اللاذقية – قبرص، وفالق البحر الميت باتجاه جنوب الأناضول، وفالق جبل عبد العزيز سنجار، وفالق الطي التدمري ك، وصدوع اللاذقية – الغاب – الحولة، وصدوع إدلب – أنطاكيا – عفرين.
وقال إن شهر تموز/ يوليو شهد عودة الهزات لشمال شرق سوريا وشمال غرب البلاد، ضمن شدة 3 ريختر وهو أمر طبيعي لكون الصفيحة العربية متحركة وتصطدم مع صفيحة الأناضول بشكل انزلاقي تصادمي.
ما مدى إمكانية التوقع والقياس؟
قد يقول البعض إن هناك حالة من الضغط الداخلي على الصفائح في تلك المناطق المذكورة، سواء في تركيا أو سوريا، ولكن رحمون يؤكد أن العلماء و مراكز البحث العلمي عاجزون عن قياس الضغط، وكل ما هنالك هو طرق تقديرية لقياس التراكم.
و من خلال العودة للأرشيف الاحصائي، ومعرفة هذا الصدع أو ذاك؛ كم يتحمل من الضغوط وبالتالي إعطاء إطار زمني، ولا يمكن قياس الضغط المتراكم على حواف الصدوع وفهذا موضوع جدا صعب.
ورغم أن بعض الأبحاث وبعض المراكز تستطيع تقدير هذا الضغط من خلال آليات معينة، مثل قياس انفتاح الصدع لكن الموضوع يبقى مستحيلا، فنحن نتحدث عن ضغوط تتراكم على عمق عشرة إلى عشرين كيلو مترا، ولكن تقدر الضغوط زمنيا، فمثلا نعلم أن هذه المنطقة تتحمل الضغط كل 100 سنة قبل أن ينفجر، وبناء عليه نقدر إن هناك تفريغ قادم أم لا.