مع ارتفاع أسعار اللحوم المستمر في محافظة إدلب وعموم شمال غرب سوريا، باتت الخيارات أكثر ضيقاً أمام السكان الذين ترتفع معدلات الفقر في أوساطهم بشكل مستمر.
وقد أدى غلاء أسعار العلف الحيواني إلى بروز مشاكل ومعوقات أمام أصحاب المداجن وحظائر اﻷبقار، إلا أن المشكلة اﻷكبر تهدد مربّي اﻷغنام، والذين لحقت بهم خسائر فادحة على مدى اﻷعوام الأربعة اﻷخيرة.
ومنذ اجتياح قوات اﻷسد والقوات الروسية لريفي إدلب وحماة الشرقيين، فضلا عن مناطق واسعة من ريفي حلب واللاذقية؛ هاجر عدد كبير جداً من رؤوس الماشية إلى ما تبقى من مساحة صغيرة في شمال غرب سوريا، وهو ما نتج عنه تكدّس أعداد كبيرة في مساحة ضيقة جدّاً للرعي.
وزادت المشكلة مع ارتفاع أسعار كافة المواد بما فيها العلف، مما اضطر الكثير من أصحاب اﻷغنام إلى بيع نصف مواشيهم ﻹطعام النصف الثاني بثمن اﻷول، بينما تستمر الثروة الحيوانية بالتضاؤل.
واختار أصحاب الغنم بيع صغار اﻹناث، للحفاظ على الخرفان، مما دفع حكومة اﻹنقاذ للتدخل ومنع ذلك حتى أواخر عام 2023، حيث أنه يهدّد إمكانية التوالد ويزيد عدد الذكور، إذ يُقبل السكان على شراء لحوم إناث صغار الغنم المعروفة بـ”الفطائم” لانخفاض سعرها نسبياً مع جودة لحمها.
وألزمت حكومة اﻹنقاذ الجزّارين ببيع الخرفان فقط، لكنّ القرار تمّ تطبيقه في المدن والبلدات الأكبر، فيما تم تجاهله من قبل كثير من الجزّارين في اﻷرياف، حيث يطالبون بمعالجة جذر المشكلة، معتبرين أن قرار المنع لا يمثّل حلاً لمشكلة غلاء اللحوم.
يقول أحد مربّي اﻷغنام لـ”حلب اليوم” إنه خرج من قريته شرقي إدلب إبان الحملة الروسية اﻷخيرة نهاية عام 2019 بنحو 120 رأساً من الغنم، إلا أنه لا يملك اليوم سوى 50 منها، ويتخوّف من فقدان ما تبقى في ظل هذا الوضع.
ويشرح المربّي كيف اضطر لبيع 70 رأساً من الغنم على مدى أربعة أعوام، من أجل تأمين العلف للباقي، وأيضاً من أجل مواجهة أعباء النزوح وتكاليفه مع انعدام فرص العمل أمامه.
ووصل سعر كيلو لحم الخروف اليوم في إدلب إلى 400 ليرة تركية، فيما يباع لحم “الفطيمة” بنحو 375، أما “الهزيل” فيباع بأسعار أقل من ذلك بحسب نوع اللحم، فيما يباع لحم العجل الجيد بنحو 300 ليرة تركية للكيلو الواحد.
وتشهد قطاعات تربية اﻷبقار واﻷسماك والدواجن أيضاً واقعاً صعباً، لكنها ما تزال تبدو قادرة على الاستمرار مع العقبات.
ومع حلول الربيع وتحسن درجات الحرارة انخفض سعر الفروج بنسبة 17% فقط، خلال اﻷيام القليلة الفائتة، إلا أنه لا يزال مرتفعاً، حيث يباع كيلو الصدر “بدون تشفية” على سبيل المثال بنحو 80 ليرة، فيما يباع كيلو الفخذ بنحو 65 ليرة تركية.
أما في أعزاز وريف حلب الشمالي عموماً، فتنخفض أسعار اللحوم الحمراء نسبياً مقارنةً بإدلب، فيما تسجل أسعار الفروج ارتفاعاً نسبياً في المقابل، حيث يباع كيلو لحم الخروف بنحو 375 و”الفطيمة” بنحو 350، أما كيلو الصدر “بدون تشفية” فيباع بنحو 95 وكيلو الفخذ بنحو 75 ليرة تركية.
يؤكد “أبو حسان” صاحب محل فروج في إدلب أن سبب الانخفاض يعود لتحسن الجو والطقس الربيعي، وهو ما يحدث تقريباً في أغلب الأعوام، حيث ينشط إنتاج الدواجن من اللحم والبيض مع الطقس الدافئ، كما أن أصحاب الدواجن يستغنون عن تكاليف التدفئة.
أما عن أسباب عدم تحسّن أسعار اللحوم الحمراء، فيؤكد الجزار خالد أبو أحمد، أن اﻷمر مرتبط بـ”تهريب” رؤوس اﻷغنام نحو الشمال الشرقي حيث يتم إرسالها نحو العراق، مما يؤدي لقلة ﻷعدادها في سوريا وخفض اﻹنتاج.
يستهلك سكان العراق كميات كبيرة من اللحوم بمختلف أصنافها، ويعتبر لحم الغنم من اﻷساسيات شبه اليومية في المائدة العراقية، ومع تراجع مستويات نهري دجلة والفرات، وقلة المساحة العشبية وغير ذلك من العوامل، بات العراقيون بحاجة إلى استقدام مواشي من الخارج.
يؤكد أبو أحمد أن أعداداً غير معروفة من المواشي يتم “تهريبها” إلى مناطق سيطرة قسد في منبج ومحيطها، حيث تسمح “اﻹدارة الذاتية” بتصديرها ﻷربيل في العراق عبر مناطق شمال شرق سوريا.
ويضيف أن ما سبق ليس مشكلة أساسية رغم تأثيره السلبي، لكن المشكلة اﻷساسية في غياب الدعم الحكومي وضعف الاهتمام بقطاع الثروة الحيوانية، حيث لا يوجد أي دعم ﻷسعار العلف أو حتى إعفاء من الرسوم والضرائب واﻹتاوات على الحواجز، كما لا يوجد اهتمام بتأمين اﻷدوية والخدمات الطبية البيطرية، أو تنظيم لحركة الإنتاج والاستيراد والتصدير.