يوافق اليوم الثلاثاء، 12 آذار، الذكرى 103 لإعلان نشيد “الاستقلال” لشاعره محمد عاكف أرصوي نشيدًا وطنيًا رسميًا للبلاد بعد التصويت عليه وقبوله بالبرلمان منذ عام 1921.
ويتمحور النشيد المؤلف من 41 بيتاً و12 رباعية حول مواضيع مثل الاستقلال والحرب والحضارة والإيمان والروحانيات والشجاعة والبطولة والأمل، وفقاً لتقرير سابق من وكالة اﻷناضول.
خلّد أرصوي في “نشيد الاستقلال” معركة أمته من أجل البقاء التي توجت بالتحرير عام 1921، عقب الحرب العالمية الأولى، فبعد مرور قرابة عام على تأسيس البرلمان في 23 أبريل/نيسان 1920، ظهرت فكرة كتابة النشيد الوطني، “لاستجماع حماسة الناس بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، وتأكيد الوطنية في وقت كانت الأناضول لا تزال محتلة”.
وحظيت هذه الفكرة بالدعم نظرا لأن الدول الأخرى لديها أناشيدها الوطنية الخاصة، وبالتالي يجب أن يكون لدى الأمة التركية نشيدها الخاص أيضاً، وفي هذا الإطار، نظمت وزارة التعليم مسابقة لاختيار النشيد الوطني، حيث قدمت جائزة قدرها 500 ليرة تركية للفائز، وهو مبلغ كبير آنذاك، ورغم تقديم أكثر من 700 قصيدة في المسابقة، إلا أن أياً منها لم يُلبّ معايير اللجنة.
بعد ذلك طلب وزير التعليم حمد الله صبحي تانري أوفر، من الشاعر محمد عاكف أرصوي (1873 ـ 1936)، الذي كان آنذاك نائبًا في البرلمان، كتابة قصيدة لتكون نشيداً وطنياً للبلاد.
من هو الشاعر؟
يعتبر الشاعر أرصوي الذي توفي عام 1936 رمزا فكريًا وأدبيًا في العالم الإسلامي وواحدًا من أكثر الشخصيات شهرة في الأدب التركي أوائل القرن العشرين.
وكان فد رفض المشاركة في المسابقة، لأنه لم يرد كتابة أغنية وطنية لتحقيق مكاسب مالية، لكن وزير التعليم “تمكن من إقناعه بالمساهمة بمواهبه”.
ويُعتبر رمزاً فكرياً وأدبياً حياً في العالم الإسلامي الذي تنقل فيه بين تركيا العثمانية والجمهورية، والبلقان وسوريا ومصر التي عاش فيها أكثر من عشر سنوات، بالإضافة للبنان والجزيرة العربية.
وأصبح أرصوي واحدا من أكثر الشخصيات شهرة في الأدب التركي أوائل القرن العشرين، حسبما يؤكد نجم الدين توريناي الخبير في أعمال الشاعر الأدبية، والأستاذ في جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا بالعاصمة أنقرة.
وتحدث توريناي الذي يعمل حاليا على النسخة الأحدث من ديوانه الأول “صفحات”، لوكالة الأناضول، عن ديوان الشاعر المكون من 44 قصيدة وعمل أدبي، بينها قصيدة المراحل (1911) ومحاضرة في السليمانية (1912) وأصوات الحق (1913) ومحاضرة في الفاتح (1914) ومذكرات (1917) وعاصم (1924) والظلال (1933).
وتناولت قصائد أرصوي المشكلات الاجتماعية، والقضايا الفلسفية والدينية، والسياسية والأخلاقية، وجاءت في سبعة دواوين شعرية، وبرزت مواهبه الشعرية في غضون الحرب العالمية الأولى وألهب مشاعر الأتراك بقصائد دعا فيها للوحدة الإسلامية.
ويقع منزل أرصوي في “ألتينداغ” أحد أقدم أحياء أنقرة، وانتقل إليه قادماً من إسطنبول في عشرينيات القرن الماضي، وخلال خطبه في مختلف مساجد مدن الأناضول، “ألهب مشاعر الإيمان والروح اللازمة للنضال الوطني”.
وبحسب تقرير لقناة الجزيرة فإن الشاعر ألقى خطاباً مشهوراً في مسجد بمنطقة كاستامونو شمال الأناضول، بعد الحرب العالمية الأولى، عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية على يد القوات البريطانية والفرنسية، وأدان معاهدة سيفر داعيا الناس إلى استخدام عقيدتهم وأسلحتهم لمحاربة المستعمرين الغربيين، وانتشر خطابه في أنحاء البلاد وجرى توزيعه على الجنود.
وفي ظل هذه الظروف، استهل أرصوي “نشيد الاستقلال” بكلمة “لا تخف” وبدأ قصيدته بدعوة لإعطاء الأمل للشعب التركي والإسلامي ضد الاحتلال الأجنبي حتى يتمكنوا من استعادة استقلالهم.
وكان شاعراً ومؤلفاً معروفاً في مجموعة واسعة من البلدان التي تمتد من أذربيجان وباكستان والهند إلى مصر وسوريا والعراق وشمال أفريقيا ومن شبه جزيرة القرم إلى البلقان.
يُذكر أن أرصوي ولد لأب تركي وأم بخارية، وتعلم العربية على يد والده المدرس وحفظ القرآن صغيراً، وعمل مفتشا بوزارة الزراعة بعد دراسة الطب البيطري، ودرس كذلك الفرنسية والفارسية، ونشر مقالاته في مجلته “الصراط المستقيم” التي تغير اسمها لتصبح “سبيل الرشاد” وانتقد الأفكار القومية في بعض مقالاته وكتب “أنتم فقط عبارة عن أفراد في أمة واحدة هي الأمة الإسلامية، وكلما حافظتم على الإسلامية لم تفقدوا قومياتكم”.
صُدم من إلغاء السلطنة والخلافة العثمانية، فهاجر إلى مصر عام 1925 بدعوة من صديقه الأمير عباس حليم باشا، وهناك قضى عشر سنوات في غربة قاسية عانى فيها صعوبة الحياة قبل أن يُتوفى.