تنعقد الجولة الـ21 من محادثات أستانا في العاصمة الكازاخية نور سلطان (أستانا سابقاُ) يومي غد اﻷربعاء وبعد غد الخميس، لبحث الملفات السورية العالقة بين الضامنين، تركيا وروسيا وإيران، وسط توتر وتصعيد وتشابك في الملفات.
منذ انطلاق الجولة الأولى من المحادثات يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017، كان من المفترض أن تكون منصة للحوار بين الأطراف المتنازعة بهدف تحقيق وقف لإطلاق النار وتعزيز جهود التسوية السياسية، وفقاً لتأكيدات المشاركين فيها، حيث تعتبر مكملةً لمباحثات جنيف المتعثرة منذ صيف عام 2022، والتي لم تُفلح بعد 8 جولات منذ انطلاقها في 2016 في الوصول إلى نتيجة.
ورغم أن محادثات أستانا معنية نظرياً بالملف السوري بكل تفاصيله (تبادل اﻷسرى واﻹفراج عن المعتقلين والانتقال السياسي وإعادة صياغة الدستور) إلا أن المحور اﻷبرز لاجتماعاتها دائماً ما يكون حول الشمال السوري بشقيه الغربي والشرقي.
بدأت المحادثات في يناير 2017 بمبادرة من روسيا وإيران وتركيا، وتزامنت مع تطورات الأوضاع الميدانية في شمال سوريا، حيث مرت بمحطات عدة، تغيرت معها خريطة السيطرة بشكل كبير وسط تساؤلات كثيرة عما كان يدور خلف اﻷبواب المغلقة.
ريف إدلب
مع بقاء آخر “منطقة خفض تصعيد” صامدة حتى اليوم في إدلب شمال غربي البلاد، فإن وقف إطلاق النار ما يزال بعيداً، بل إن المنطقة شهدت – كالعادة – تصعيداً مع اقتراب الجولة الجديدة من المحادثات.
أكد مراسل حلب اليوم في إدلب أن أجواء المحافظة والريف الغربي لحلب شهدت تحليقاً مكثفاً وطويلاً للطيران الحربي الروسي، خلال اﻷيام الثلاثة الماضية، فيما تسبب القصف الصاروخي على مدينة أريحا جنوب إدلب أمس الاثنين بإصابة 6 مدنيين هم امرأة وطفلتاها وطفلان آخران ورجل، فضلاً عن أضرار لحقت بمنازل اﻷهالي وإحدى المدارس.
وطال القصف أيضاً قرىً بجبل الزاوية جنوب إدلب وبلدات أخرى شرقيها وقرب خطوط التماس مع قوات اﻷسد.
وحذّر القائمون على المراصد العسكرية في الشمال السوري من تصعيد محتمل من قبل قوات اﻷسد قبل انطلاق المحادثات، داعين الأهالي لتخفيف التجمعات والحركة، والانتباه لطيران الاستطلاع في اﻷجواء.
وكان من اللافت استهداف القواعد التركية لمواقع قوات الأسد بالمدفعية على محور مدينة سراقب وخان السبل بريف إدلب، منذ نحو أسبوعين، عقب تصعيد القصف على المحافظة وسقوط ضحايا من المدنيين.
ريف حلب
تشهد منطقة شمال حلب أيضاً حالة من التوتر الممتدة إلى شمالي العراق، وتبحث تركيا عن وسيلة ﻹقناع الروس برفع الغطاء عن قوات قسد، في كل من منبج وتل رفعت، فيما لا يغيب الملف عن حسابات اﻷمريكيين.
ويشير القصف الذي تقوم به قوات قسد مؤخراً على شمال حلب، مع تكثيف العمليات التركية ضد قادتها وعناصرها – وفقاً لمراقبين – إلى احتمال التوصل لاتفاق ما في محادثات أستانا 21 تستطيع أنقرة من خلاله وقف التعطيل الروسي واﻹيراني أمام تحركاتها في الشمال السوري.
لكن الولايات المتحدة تسعى في المقابل – وفقاً لموقع المونيتور – إلى إشراك قوات قسد مع قوات اﻷسد في “عملية ضد تنظيم الدولة”، حيث طرحت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) خطة على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بشأن ذلك.
لكن خطة الشراكة التي نوقشت في اجتماع دعا إليه مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض لا تتوقف عند محاربة تنظيم الدولة، بل تهدف فعلياً إلى “حماية” قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وفقاً لما قالته “مصادر مطلعة على المداولات تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها”.
وترمي واشنطن من خلالها الخطة إلى “مراجعة سياستها تجاه سوريا”، في “نقاش لا يزال يدور ضمن أروقة وزارة الخارجية”،
لكن المصادر امتنعت عن التعليق على ما إذا كانت الاجتماعات تمهد لانسحاب محتمل لنحو 900 من قوات العمليات الخاصة الأميركية المنتشرة حاليًا في شمال شرقي سوريا.
وتحدّث المونيتور عن مؤشرات متزايدة على أن “الانسحاب قد يكون حتمياً إن لم يكن وشيكاً في ظل تصاعد التوترات بين القوات المدعومة من إيران والولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر”.
ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول إيجاد صيغة ما لضم قوات قسد تحت جناح سلطة اﻷسد، لتجنيبها هجوماً تركيا في حال سحب القوات اﻷمريكية، وهو ما تريده روسيا.
وكان عدد من الضباط الروس قد عقدو عدة اجتماعات مع قياديين من قسد في الحسكة قبل اجتماع أستانا الماضي، بهدف إقناعهم بالانخراط مع قوات اﻷسد لتجنب عمل عسكري تركي جديد.
ووفقاً لمصادر متقاطعة فقد رفض قياديو قسد العرض وسط استياء من موقف الروس، بسبب إصرار سلطة اﻷسد على تجريد “سوريا الديمقراطية” من أية صلاحيات فعلية، وتكرار نموذج “المصالحات” المعهود.
وبالعودة لتقرير المونيتور فقد لفتت مصادره إلى “استعانة واشنطن بتركيا، الحليف المهم في الناتو، لإبداء رأيها”، لكنه لم يوضح ماذا كان رد أنقرة؟.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد في عدة تصريحات مؤخراً أن بلاده لن تتسامح مع قوات قسد ولن تتراجع عن محاربتها مهما كانت اﻷوضاع.
وتبقى أية اتفاقات جديدة قد يصل إليها الضامنون في محادثات أستانا غداً وبعد غد، عبارة عن “حلول” جزئية لتفاصيل معينة، ولا تتعدى كونها ترحيلاً للحل الوحيد المتمثل بالانتقال السياسي.