نشر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تحقيقاً، أمس الأول السبت، وثق من خلاله قيام ضباط وعناصر من “المخابرات العسكرية” و”الفرقة التاسعة” التابعين لقوات النظام، بحرق جثث لمدنيين ومنشقين، بعد إعدامهم ميدانياً أواخر العام 2012.
وبحسب التحقيق الذي جاء حمل عنوان “لا تتركوا أثراً”، فإن قوات النظام حرقت رفات الضحايا للتخلص منها بطريقة “ممنهجة”، حيث وثق عناصر النظام تدمير تلك الرفات، بمشاركة ضباط في “المخابرات العسكرية” بدرعا.
وأوضح التحقيق، أن جميع مستويات قوات النظام كانت على دراية بإتلاف الأدلة على الجرائم، ورصد حالات أسرت فيها قوات النظام مدنيين تعرضوا لعمليات إعدام ميدانية، وحرقت جثثهم.
وتضمن التحقيق توثيقات وأدلة بصرية واضحة على حرق رفات بشرية، ودفنها في مقابر جماعية من طرف فرع “المخابرات العسكرية” في مدينة المسمية ومناطق أخرى في درعا، بتعليمات من ضباط رفيعي المستوى، وأوامر من رُتب عسكرية أعلى.
ونشر المركز وثائق صادرة عن أجهزة المخابرات التابعة للنظام بضرورة استخدام العنف، بما في ذلك إصدار أوامر مباشرة بتنفيذ الإعدامات بحق عدد من الجرحى، ومقاتلي فصائل المعارضة، ومنشقين عن قوات النظام في منازل ومواقع مختلفة من درعا.
في 4 من كانون الثاني 2013، نصب عناصر في فصيل “لواء أمهات المؤمنين”، كميناً لمجموعة من قوات النظام على طريق الشقرانية بدرعا، وقتلوا جميع عناصرها وصادروا أسلحتهم، وأجهزة الهواتف النقالة التي وُجدت بحوزتهم، إضافة إلى جهاز حاسوب محمول.
وحصل أحد الناشطين الإعلاميين من ضواحي دمشق على الحاسوب من أحد مقاتلي الفصيل عقب الكمين، بعد أن عرض الأخير على الناشط أن يبيعه الجهاز الذي استولى عليه من إحدى المركبات التي وقعت في الكمين.
وبعد شراء الحاسوب، تمكن الناشط الإعلامي من عملية تنصيب برمجية لاستعادة الملفات التي كانت مخزنة على الذاكرة، ليتمكن من استرجاع 131 شريطاً مصوراً، و440 صورة، واثنين من ملفات التسجيل الصوتي.
وفيما أشار المركز إلى أن أدخل 147 مادة توثيقية إلى قاعدة بيانات المركز، وشملت 94 صورة، و52 شريطاً مصوراً، وملفاً صوتياً واحداً، بعد حذف تسجيلات مكررة، وملفات تالفة، ومواد غير ذات صلة بتوثيق “الجرائم الخطيرة”.
وأدى الكمين حنيها إلى مقتل عناصر من قوات النظام وهم: “شادي علي تامر برتبة رقيب أول، وحسام مروان حمودة برتبة رقيب، ومحمد يوسف وطفة برتبة مساعد أول، وسامر محمد السعيدي برتبة رقيب، وفادي يوسف القوزي برتبة رائد في المخابرات العسكرية، ومحمد طاهر الإبراهيم برتبة مساعد أول في المخابرات العسكرية، وأنور محمد عمار برتبة رقيب أول، وإسماعيل محمود إسماعيل برتبة مقدم، وسيف رمضان العلي برتبة رقيب، وسليمان علي قاطرجي برتبة مساعد”.
مقاطع مصورة تُظهر ارتكاب المجزرة
أظهرت مجموعة أولى من المقاطع المصورة عناصر تابعين لـ “المخابرات العسكرية”، وآخرين تابعين لـ “الفرقة التاسعة” و”اللواء 34″ في منطقة اللجاة في درعا، وهم يقومون بعمليات تعبئة لشن عملية عسكرية.
اتجهت القافلة العسكرية إلى شمالي مدينة المسمية وصولًا إلى حاجز عسكري، قبل أن تلتف يساراً للانضمام إلى رتل عسكري آخر أكبر، ودخلت إحدى البلدات في ريف درعا.
في حين أظهرت مجموعة ثانية من المقاطع، مركبة نقل صغيرة (بيك أب) تُقل الكثير من الجثث فيها، ولم يتم التعرف على أي جثة منها، حيث كان أصحاب تلك الجثث الثلاثة يرتدون ملابس مدنية، والتُقطت التسجيلات في فصل الصيف.
مجموعة ثالثة من المقاطع المصورة توثق عملية نقل ما لا يقل عن 15 جثة، وتوثيق هويات أصحابها أمام الكاميرا، وإلقائها في حفرة صغيرة، ومن ثم سكب البنزين عليها وإشعال النار فيها.
مقابر جماعية
نقلت “بيك آب” جثثاً كثيرة، حيث توقفت قرب حفرة وسط منطقة نائية، ويدفع العناصر الجثث من صندوق السيارة إلى الأرض، بينما يلتقط الرائد في “المخابرات العسكرية”، “فادي القوزي”، صوراً كثيرة عن قرب لوجوه أصحاب الجثث، مستخدماً كاميرا رقمية صغير، ويوثق هوياتهم بطريقة “ممنهجة”.
ووفقاً للتحقيق، تنحى “القوزي” وضابط آخر جانباً لإتاحة المجال لشخص يحمل غالون بنزين، وسكب البنزين على الجثة الأولى، ويمكن مشاهدة ضابط رفيع المستوى يوجه تعليماته للشخص الذي يحمل غالون البنزين، لسكب البنزين على وجه صاحب الجثة ويديه، وذلك في محاولة لمحو أي أثر يمكن من خلاله التعرف على هويات أصحاب تلك الجثث.
بعد ذلك، يتم ركل الجثة كي تسقط في الحفرة، وتتكرر العملية مع كل جثة وبنفس ترتيب الخطوات، وبما يدل على أن تلك قد لا تكون هي المرة الأولى التي تولت فيها مجموعة الضباط والمسؤولين في التسجيل المصور تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات.
وقال المركز إن بعض الجثث تعود لأشخاص قُتلوا في منطقة اللجاة، وهي منطقة عمليات الجناة، فرع “المخابرات العسكرية” في مدينة المسمية، و”الفرقة التاسعة” الذين أبقوا جثث القتلى برفقتهم عقب ذلك.
ونقل المركز عن مصدر اسمه “طارق” – اسم مستعار- أنه بعد أن داهمت قوات النظام منزل عائلته في قرية القنية بمدينة الصنمين، لأنها وفرت ملاذاً لمجموعة من العناصر المنشقين عن “كتيبة سلاح الجو” الواقعة في المنطقة.
تواصلت قوات النظام مع الأشخاص الموجودين داخل المنزل، وتعهدوا بعدم إيذاء أي أحد في حال سلم المنشقون أنفسهم لعناصر القوة التي حاصرت المنزل، وفي غضون دقائق معدودة، خرج جميع من في المنزل، وتوجهوا إلى الفناء الأمامي رافعين أيديهم ومعلنين استسلامهم.
فتحت قوات النظام النار لعدة دقائق باتجاه جميع من كان في فناء المنزل الأمامي، وفي غضون أقل من عشر دقائق، غادرت القوة مصطحبة جثث الجميع معها.
وتواصل مقدم منشق من “الفرقة التاسعة” مع عائلة الشاب “طارق” عام 2013، وأخبرهم بوجود ما مجموعه 17 ضحية بينهم أشقاءه الثلاثة، ونُقلوا جميعاً إلى مقر “الفرقة التاسعة”.
وأعدم شقيق “طارق” الذي كان يتحدث في تسجيل مصور، على يد قائد “الفرقة التاسعة”، اللواء “أحمد العقدة”، عند بوابة مقر الفرقة، ولم يتمكن المركز من التواصل مع المقدم المنشق لإجراء مقابلة معه بشكل مباشر.
هذا التحقيق ليس الأول من نوعه، بل سبق وأن كشفت صحيفة “الغارديان” في 27 من نيسان الماضي، عن مجزرة ارتكبتها قوات النظام في 16 من نيسان 2013 في حي التضامن بدمشق، أسفرت عن مقتل نحو 41 شخصاً ودفنهم في مقبرة جماعية.