تزداد رحلة النزوح في شمال غربي سوريا طولاً أمام الملايين من السوريين المُهجّرين من بيوتهم في مختلف المحافظات السورية، ممن اضطروا للقدوم إلى ريفي إدلب وحلب بعد الاجتياح العسكري الذي تعرّضت له مناطق واسعة بدعم “روسي – إيراني”.
ومع اكتظاظ ما يقرب من 4 ملايين نسمة في مساحة صغيرة ممتدّة من ريف إدلب الغربي حتى ريف حلب الشرقي، قرب الحدود التركية، ارتفع الطلب على استئجار المنازل والمحال التجارية، ما أدى لرفع سعرها بشكلٍ كبير، وخلق عاملاً ضاغطاً على النازحين يُضاف إلى تركهم بيوتهم وأراضيهم ومصادر دخلهم.
يشكو “أحمد . س” وهو تاجر أدوات منزلية من معرّة النعمان في ريف إدلب الشرقي، من حيرته حيال اﻷوضاع الراهنة، حيث تشهد اﻷسواق ركوداً كبيراً وتشهد تجارته تراجعاً ملحوظاً في اﻷرباح، بينما يضطر إلى دفع مبلغ ما يقارب من 400 دولار أمريكي شهرياً كإيجار للمحل، و150دولار شهرياً كإيجار للمنزل، في مدينة إدلب، ما يعني أنه يدفع 550$ شهرياً لتأمين مكان للسكن والعمل، فيما يستهلك مبلغاً مماثلاً ﻹعالة أسرته المكونة من 5 أشخاص، أي أن عليه أن يحقق دخلاً مقداره 1100 دولار شهرياً، حتى يتمكّن من البقاء والاستمرار، وهو ما يؤكّد أنه أمراً مستحيلاً في ظل الركود الذي تشهده أسواق المدينة.
أما صاحب محل اﻷلبسة “عبد القادر . ش” فإنه يعتزم تصفية محلّه والجلوس في البيت بعد عجزه عن تأمين المصاريف إلى جانب إيجار محلّه البالغ 450 دولار، حيث أن ضعف القدرة الشرائية لدى الناس دفعهم للاتجاه إلى شراء “البالة اﻷوروبية” كبديل معقول للألبسة الجديدة، موضحاً أن قلة المبيعات وتكدّس قسم كبير من البضائع لديه خلق مشكلات حسابية أجبرته على استهلاك المزيد من رأس المال مع ضعف حركته ضمن محله التجاري.
وفي مدينة أعزاز تبدو اﻷوضاع أقلّ سوءاً أمام النازحين من ناحية ارتفاع أسعار اﻹيجارات، ولكن بشكل نسبي، حيث أوضح “محمود . ع” أنه تنقّل بين عدّة مناطق في الشمال الغربي من إدلب حتى ريفي حلب الشمالي والشرقي، ولم يجد فرقاً جوهرياً، حيث يعمل في صناعة الحلويات ضمن محلّ بسيط بإيجار شهري قدره 150 دولاراً ، ويدفع 100 دولار لقاء إيجار منزله.
ويؤكّد “محمود” أن هناك الكثير من المحال التجارية التي تعادل إيجاراتها أضعاف ما يدفعه في محلّه، لكنه اختار مكاناً يتناسب مع قدرته المالية، حيث يعاني في المقابل من قلّة الزبائن والموقع غير الجيّد، مشيراً إلى أن الوضع في مدينة “الباب” شرقي حلب لا يختلف عنه في “إدلب” أو “أعزاز”.
ويرى أحد أصحاب المنازل في مدينة إدلب أن مبلغ 135 دولار شهرياً لقاء السكن في بيته المكوّن من أربع غرف في الطابق الرابع ليس كثيراً، فهو بالكاد يكفي عائلته المكوّنة من 6 أشخاص لمدة عشرة أيام، مع ارتفاع أسعار كافة المواد، نافياً أن يكون هناك استغلال للنازحين كما يقول بعضهم.
وأمام هذه اﻷوضاع؛ اختار مليون و43 ألف شخص في شمال غربي سوريا العيش في نحو 1300 مخيماً عشوائياً أقيمت في أراضٍ زراعية، وفقاً ﻵخر إحصاء نشره فريق “منسقو استجابة سوريا”.
ورغم أن مشاريع المنازل الدائمة التي تقدّمها المنظمات التركية داخل الحدود السورية، ساهمت في تخفيف وطأة الحياة القاسية في الخيام، إلا أنّها لم تقدّم حلاً جذرياً للسكان الذين يحتاجون لفرص عمل حقيقية، لتحقيق دخل مادي إلى جانب السكن.
وما يزال الملايين من محافظات دمشق وحماة وحمص ودرعا، وأرياف حلب وإدلب واللاذقية يعانون أوضاعاً صعبة، وسط مستقبل مجهول، منتظرين عودتهم لقراهم وبيوتهم رغم عدم وجود مؤشرات على حل للأوضاع في سوريا.
وتعاني إدلب ومنطقتا عمليتي “غصن الزيتون” و”درع الفرات” من حالة شبه حصار فرضتها قوات النظام والميليشيات اﻹيرانية، بينما تمثّل تركيا المُتنفّس الوحيد، لكنّ ضعف اﻹنتاج والتصدير والغياب شبه التام لوجود المشاريع والمصانع اﻹنتاجية مع انعدام الثروات الباطنية جعل المنطقة مُستَهلِكةً بامتياز.
وما يزيد من قتامة الصورة المستقبلية احتمال إغلاق معبر “باب الهوى” اﻹنساني، وإمكانية إحجام الدول المانحة عن تمويل اﻹغاثة المقدّمة للشمال الغربي في حال تمّ تحويل طريق دخولها إلى مناطق سيطرة نظام اﻷسد، وامتلك اﻷخير القدرة على التحكّم بتدفقها، وفقاً لتحذيرات “منسقو استجابة سوريا”.