مقال رأي – خليل صباغ
تمخضت الانتخابات النيابية اللبنانية التي انتهت يوم 15 أيار الحالي، عن خسارة مجموعة من النواب الداعمين لمحور إيران ونظام الأسد، أمام تقدم الأطراف السياسية الأخرى الرافضة من حيث المبدأ الهيمنة الإيرانية على البلاد، والتقارب مع نظام الأسد، والساعية للحد من نفوذ حلفائه لبنان.
النتائج التي أعلن عنها وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي كانت مفاجئة لكثيرين، فعلى الرغم من التوقعات بإمكانية وصول بعض مرشحي قوى التغيير -المحسوبين على ثورة 17 تشرين- إلى البرلمان، إلا أنه لم يكن متوقعاً أن يكونوا بهذا العدد، فقد استطاعت هذه القوى الفوز بـ 13 مقعداً من أصل 128، كذلك فاز المستقلون “شخصيات لا تتبع لأي حزب سياسي” بـ 15 مقعداً، وكلا الطرفين يدعوان إلى تغيير آليات الحكم المعتمدة وخاصة أنها أصبحت في السنوات الأخيرة تدار من قبل إيران وذراعها حزب الله.
اللافت أيضا هو فوز حزب “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع بـ 19 مقعداً مقابل 15 مقعدا عام 2015، وبذلك أصبح أول حزب مسيحي داعم للثورة السورية يتقدم على “التيار الوطني الحر” للرئيس ميشال عون أبرز الداعمين للنظام فضلا عن كونه اليد المسيحية التي تدعم سلاح حزب الله.
المهم بالنسبة لنا كسوريين هو الخسارة الأقرب إلى المعنوية لحزب الله وحلفائه وعلى رأسهم حركة أمل والتيار الوطني الحر الأكثرية في البرلمان، حيث حصلوا على 62 مقعداً فقط، وكذلك تراجع الحضور البرلماني للعائلات السياسية التقليدية الداعمة بشكل مباشر لنظام الأسد، وأبرزهم: طلال أرسلان، وفيصل الكرمي، ووئام وهاب وإيلي الفرزلي، إضافة لأسعد حردان رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي المنخرطة عناصره في القتال إلى جانب نظام الأسد تحت اسم “نسور الزوبعة”.
مع ذلك، قد لا يفضي فقدان حزب الله وحلفائه للأكثرية في البرلمان اللبناني إلى تغيير دراماتيكي في المشهد اللبناني العام، خاصة أنه حافظ على مقاعد الشيعة، ولا يزال يسيطر بصورة أو بأخرى على المؤسسات اللبنانية، لكن خسارته الأكثرية تعد انحساراً واضحاً للنفوذ الإيراني في المشهد اللبناني وستضمّن مقدمات يمكن البناء عليها سواء بالنسبة للبنانيين أو السوريين بإحداث خرق في نظام سياسي أدخل البلاد في متوالية أزمات، واتخذ سلسلة مواقف كانت داعمة للمحور الإيراني.
بصرف النظر عن تفاصيل المشهد السياسي الذي آلت إليه الخريطة السياسية اللبنانية، لعل التساؤلات الأبرز بالنسبة لنا كسوريين، هو: ما انعكاس هذه التغييرات المباشرة على الملف السوري، خصوصاً أن أي من الأحزاب المتنافسة -الداعمة للمشروع الإيراني أو الرافضة له- لم تخصص حيزاً واضحاً للملف السوري؟
بالنسبة لملف اللاجئين السوريين في لبنان، والذي يشغل حيزاً مهماً في الفضاء العام والسياسي، لا يبدو أننا سنشهد تغييرات جوهرية في سياقاته الحالية المعنونة: “ضرورة عودة السوريين إلى بلادهم”، خاصة مع وجود توافق شبه كامل بين الأطراف السياسية اللبنانية على ذلك، إذ تشير تصريحات سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية المعروف بدعمه للثورة السورية، إلى تأييده هذا العنوان، حيث أشار في أحدها عام 2019 إلى أنه لا يوجد انقسام في الموقف اللبناني حيال ضرورة عودة السوريين، والأمر ذاته ينطبق على قوى التغيير والمستقلين التي من غير المتوقع أن تشغل نفسها في ملف بالأصل ليس على سلم أولوياتها، إلا أن ذلك لا ينفي احتمال تراجع حدة التصريحات الرسمية المحرضة ضد اللاجئين، وبالتالي إمكانية تجميد مؤقت لهذه القضية لحين انتهاء القوى اللبنانية من ترتيب بيتها الداخلي.
بالمقابل، وإذا كان الموقف من عودة اللاجئين السوريين محل توافق بين القوى المتنافسة في لبنان، فإن هذا التوافق لا ينسحب على شرعية نظام الأسد وتأييد بقائه؛ فقد كان واضحاً في خطاب حزب “القوات اللبنانية” تأكيده على ضرورة إسقاط نظام الأسد، وإعادة النظر بالمعاهدات اللبنانية – السورية وفقا للمصلحة الوطنية، والكشف عن مصير المعتقلين اللبنانيين في سجونه، الموقف يلتقي تماما مع يعلنه اللواء السابق أشرف ريفي الذي يؤكد على سيادة لبنان، في الدرجة الأولى، وضرورة مواجهة التطبيع مع النظام في سوريا. كل ذلك قد يساهم لبنانياً في تأخير أية محاولة تطبيع رسمية قد تجري بين الحكومة اللبنانية وحكومة النظام في دمشق.
إلى جانب ملفي اللجوء والتطبيع، يتصدر ملف الحدود عادة اهتمامات الدول لما يشكله من خطر على أمنها القومي، إلا أنه في الحالة اللبنانية يبقى خارجاً عن سلطة الدولة فعلياً؛ فحزب الله يسيطر اليوم بشكل مباشر على جميع خطوط التهريب بين البلدين عبر قواته المنتشرة على جانبي الحدود، ولا يسمح لأي جهة مقاسمته أو حتى التأثير على نشاطه، هذه السيطرة مكنته بالشراكة مع الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، من خلق منظومة اقتصادية قائمة على جباية الأموال من المعابر غير الرسمية، ومن تجارة المخدرات، وبالتالي لا يتوقع أن يساهم التغيير الذي ظهر في نتائج الانتخابات النيابية في التأثير على هذا الملف المرتبط أساساً بسلاح حزب الله أكثر وليس بالأوزان السياسية للأحزاب.
على الرغم من أهمية التغيير الذي ظهر في نتائج الانتخابات اللبنانية، والذي أرسل رسالة واضحة إلى إيران وأذرعها في المنطقة، والذي يعد انعكاساً سياسياً للاحتجاجات التي انطلقت في أواخر عام 2019، إلا أن انعكاس هذا التغيير على المواقف السياسية للبنان تجاه الملف السوري، ستبقى محدودة وشكلية مستمدة من هامشية الدور اللبناني ذاته في هذا الملف الذي ما يزال خاضعاً للسياق الإقليمي والدولي أكثر من ارتباطه بالخارطة السياسية اللبنانية.
المصدر: منتدى الحوار الشبابي