مسلسل حرق المحاصيل الزراعية في سوريا يعود من جديد إلى الواجهة، لتلتهم النيران مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، فيما يبدو أنها حرب أخرى على الشعب السوري، أرهقت كاهله وزادت من معاناة المواطن الذي انتظر طويلا جني ثمار جهد وتعب عام كامل.
الحرائق طالت للعام الثالث على التوالي محاصيل القمح والشعير وأشجار الزيتون قبيل أو أثناء حصادها لتتحول آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية إلى رماد، وتتسبب بخسائر فادحة للشعب السوري عامة وللمزارعين خاصة.
من أحرق المحاصيل الزراعية؟
في تصريح خاص لحلب اليوم، قال الخبير الاقتصادي السوري “عبد الرحمن أنيس” إن أكبر الحرائق كانت في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي لسوريا التي تعتبر الخزان الاقتصادي لسوريا بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو)، ويتهم أنيس قوات سوريا الديموقراطية بالتنسيق مع الإيرانيين بافتعال الحرائق في مناطق سيطرتها.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنيس أن إحراق المحاصيل يأتي ضمن سياسة ممنهجة شهدتها العراق وسوريا على حد سواء وليس في هذا العام فقط، لذلك فإن نهج إحراق المحاصيل يأتي ضمن مناطق الوجود الإيراني، وحتى في مناطق سيطرة قسد، وفق قوله.
أما الصحفي صهيب الجابر ابن منطقة الجزيرة السورية والذي يرى أن حرائق العام الحالي تركزت في الجنوب السوري وخاصة السويداء، بينما في العام الماضي تركزت في إدلب وشرق سوريا وخاصة في مناطق سيطرة قسد وظهر ذلك في مقاطع مصورة تظهر عناصر قسد يحرقون المحاصيل خاصة في الرقة والطبقة والمنصورة وريف دير الزور الشرقي والشمالي ومنطقة أبو خشب.
وتابع “الجابر” أن تنظيم الدولة مسؤول أيضاً عن إحراق مساحات واسعة من الاراضي، بدافع الانتقام من هذه المناطق لخروجها عن سيطرته، وهناك طرف ثالث ضالع بافتعال الحرائق وهو نظام الأسد وميليشياته كون النظام يقتسم جغرافية المنطقة مع قسد، وهو ما أكدته شبكة دير الزور 24 حيث أشارت لمشاهدة أحد الفاعلين بميليشيات إيران يقوم بحرق محصول زراعي في ريف مدينة البوكمال.
وفي الجنوب السوري، وجه الأهالي اتهاماتهم للنظام وميليشيات حزب الله وإيران بإحراق المحاصيل، ووصفوا هذه الحوادث بعقاب وانتقام النظام من أبناء المنطقة كرد فعل على عصيانهم للنظام وعدم قدرته على ضبط المنطقة الخارجة عن سيطرته رغم بسط نفوذه عليها، إضافةً لخروج أبناء المنطقة المستمر في مظاهرات مناوئة وعدم إرسال شباب المنطقة للخدمة العسكرية وحالات الهجوم المستمرة من قبل مجهولين على مواقعه وقواته.
أما إعلام النظام وروسيا، فهو يتهم الولايات المتحدة الأمريكية بتعمد إشعال الحرائق في الأراضي الزراعية في سوريا، عبر طائراتها المسيرة نوع أباتشي وبالونات من صنعها، وذكرت وكالة سبوتنيك الروسية وصحيفة البعث التابعة للنظام، أنهم شاهدوا طائرة أمريكية تقوم بذلك، إضافة للعثور على بالون من صناعة أمريكية ضمن الأراضي المحروقة في شمال شرق سوريا، وفق ما ذكرت.
أما قوات سوريا الديمقراطية فهي توجه اتهاماتها للجيش الوطني السوري والمعارضة ومن ورائها تركيا بافتعال الحرائق خاصة في المنطقة الواقعة على خط التماس بين الطرفين
أما تركيا فهي تقول أنّ قسد تسعى لزعزعة الاستقرار في مناطق عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” شمالي سوريا، بحرق حقول المدنيين، وتوجيه الاتهامات لها وللجيش الوطني، ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر أمنية تركية قولها “إنّ الإرهابيين يقفون وراء إحدى حوادث إشعال النيران في حقول المواطنين بمنطقة نبع السلام، وإنّ اثنين من عناصر الجيش الوطني السوري ومدنياً، أصيبوا بنيران “ب ي د” عند محاولتهم إطفاء الحرائق وبعد السيطرة على الحرائق، وتمشيط المنطقة، تم العثور على عبوات ناسفة، فككت لاحقا من قبل القوات الأمنية”.
ما هدف حرق المحاصيل الزراعية؟
بحسب الاتهامات المتبادلة بين القوى الموجودة على الأرض السورية السابق ذكرها أعلاه، فإن الأهداف تتراوح بين العقاب للمناطق الخارجة عن سيطرة تلك القوى، أو للضغط على الأهالي الثائرين ضد القوى هذه، أو أن هذه الحرائق هي نتاج القصف العشوائي أو الألغام والعبوات الناسفة.
وبحسب الصحفي صهيب الجابر فإن هناك هدف آخر من افتعال الحرائق هو تجويع الناس وإجبارهم على بيع المحاصيل بأسعار منخفضة، مضيفاً أن المزارعين يتلقون تهديدات من النظام وقسد للالتزام ببيع المحاصيل لهم بأسعار منخفضة، وأن عدداً منهم تعرض للضرب والإهانة بسبب اعتراضه على السعر وأجبروا على القبول بالسعر المحدد وإلا سيتم مصادرة محصوله.
آثار الحرائق على الاقتصاد السوري والمواطنين:
شملت الحرائق مختلف المناطق الزراعية في سوريا في حلب وحماة وإدلب، لكنها أخطر ما تكون في شمال شرق البلاد، والتي تشمل محافظات دير الزور والحسكة والرقة، وهي المنطقة التي تعتبر سلة غذاء سوريا، إضافة لمنطقة الجنوب السوري الغنية بالمزروعات.
ويؤمن إنتاج الشمال السوري 64% من حاجة سوريا من القمح المروي، و38% من القمح البعلي و63% من القطن، و29%من العدس، والتقديرات تشير إلى أن الحرائق التهمت أكثر من 382 ألف دونم في شمال شرق سوريا لوحدها أي بقيمة تقدر بنحو 17 مليار ليرة سورية.
وقدرت هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية التابعة لقسد خسائر العام الفائت بنحو 19 مليار ليرة سورية بمساحة حرائق تقدر بـ 400 ألف دونم، إلا أن نسبة الضرر انخفضت هذا العام رغم اندلاع الحرائق والتهامها مساحات واسعة من الأراضي، ما أدى لوفرة بمحصول القمح، لكن المعضلة الحالية هي في الأسعار المعروضة لشراء المحصول، والذي يرى الفلاحون أنه منخفض، إذ حددت الإدارة الذاتية سعر شراء كيلو القمح بـ 315 ل.س فقط، أما النظام فقد رفع السعر ليصل 400 ل.س للكيلو، فيما حددت الحكومة السورية المؤقتة سعر الطن بين 200_225 دولار.
هذا وقد بلغ إنتاج القمح في مناطق الإدارة الذاتية التابعة لقسد قرابة 900 ألف طن لموسم 2019، فيما كان 350 ألف طن في 2018.
فيما يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أن القمح والشعير هو أهم الزراعات الاستراتيجية في سوريا، لكون النمط الغذائي لجميع أفراد الشعب السوري يتخذ من رغيف الخبز أساسا في الأمن الغذائي.
وكانت سوريا تنتج قبل اندلاع الثورة حوالي 4.1 مليون طن من القمح، لينخفض المحصول بشكل كبير وتتفاوت كميات الإنتاج في السنوات الأخيرة، حيث بلغت العام الماضي 1.2 مليون طن فقط ليكون أدنى إنتاج منذ 29 عاماً بحسب الفاو، الأمر الذي يؤثر سلبا على الاقتصاد السوري المستمر في الانهيار، ولهذا أيضا انعكاس واضح على أن خطر مجاعة كبيرة يتهدد سوريا وشعبها، ولا بد من تدخل أممي انساني يوقف هذه الاستهتار بقوت الناس ويعرضهم لخطر مجاعة ربما تفوق تلك التي حدثت في الصومال 2008.